Aouidat Zakaria

Aouidat Zakaria اخصائي نفساني عيادي و باحث في مجال القياس و الاحصاء ومناهج البحث في العلوم النفسية والسلوكية

07/07/2025

🎭 "مذكرات نفساني ناشئ"

🧠 "السرية بين الجدران... والمجتمع الذي يراقب الباب"

في صباح يوم دافئ، كنت أُحضّر القهوة في مكتبي الذي يقع في طابقٍ علويٍّ منعزل، خلف ثلاث أبواب، وسلالم ملتوية، بلا لافتة، بلا لوحة، كأنك تدخل غرفة تحقيق لا عيادة نفسية.
قصدتُ هذا الموقع عن قصد، قلت لنفسي:
"احترامًا لسرية العميل، وحرصًا على خصوصيته."

لكن في داخلي… سؤال لم يسكت:
"هل أخدم العميل؟ أم أخدم خجله؟"

كل يوم، يدخل العملاء وهم ينظرون خلفهم مرتين قبل أن يطرقوا الباب.
بعضهم يتأكد أن لا أحد رآه، وبعضهم ينتظر حتى يخلو الرصيف.
بل قال لي أحدهم مرةً:
"كي جيت أول مرة حسبتني داخل محل سرّي!"

في البداية، شعرت أنني أقدّم خدمة راقية: أُخفي وجه العميل عن الناس، وأحميه من أعين المتطفلين.
لكن مع الوقت، بدأت أشكّ:
هل نحن نُطبّق السرية المهنية؟ أم نُمارس رقابة اجتماعية ناعمة؟
هل نحترم خصوصية العميل؟ أم نُعزّز حاجته إلى التخفي وكأن العلاج النفسي جريمة؟

الحقيقة المُرّة أن هذا التوجّه ليس نابعًا من المهنة... بل من ثقافة اجتماعية تجرّم الألم النفسي وتكافئ التظاهر بالصحة.
المجتمع لا زال يعتقد أن من يدخل عند النفساني فهو "ضعيف"، "مجنون"، أو "ما قادرش يتحكم في روحو".
ولهذا، نخفي المكاتب ونغلق الستائر ونخفت الأضواء… باسم "السرية".

لكن السرية الحقيقية ليست أن تخفي العنوان… بل أن تحمي المعلومة.
أن تصون ما يُقال داخل الجلسة، لا أن تُغلق الواجهة وتشارك في لعبة "ما يخصكش من داخل".
مكتب الطبيب الباطني في الشارع الرئيسي، والناس تدخل وتخرج منه دون خجل… لماذا؟
لأن "المعدة" لا تُخجل، أما "الروح" فهي… عار؟

تحدثني زميلة مرة:
"أنا درت عيادتي في بناية معروفة، حطيت لافتة كبيرة… وقلت نكسر الصمت."
قلت لها:
"وراحو لي العملاء اللي كانوا يحبوا السرية؟"
قالت:
"جوني عملاء أكثر… جريئين، واعين، ومرتاحين من أول جلسة."

من هنا أدركت أن السرية لا تعني الانعزال… بل الاحترام.
وأن الخصوصية لا تعني الاختباء… بل الكرامة.
وأننا إذا أردنا أن نُغيّر نظرة المجتمع، يجب أن نُطبع وجودنا، لا أن نخفيه.
يجب أن تصبح لافتة "مكتب أخصائي نفسي" شيئًا طبيعيًا… كأنها عيادة أسنان.

📌 كتبت في دفتر اليوميات:

> "ليس المطلوب أن نحمي العميل من أعين الناس… بل أن نحميه من خجله منهم. والفرق… يصنع ثورة في وعي المجتمع."


06/07/2025

🎭 "مذكرات نفساني ناشئ"

🧠 "صراعات أخلاقية... لما المهني يصطدم بالإنساني"

كنا نظن أن ميثاق الأخلاقيات المهنية هو مرجع بسيط: تحفظه، تلتزم به، وتطبّقه كما هو.
لكن الحقيقة؟ الأخلاقيات ليست مجرد قوانين... إنها صراعات يومية بين ما هو صحيح مِهنيًا وما هو مؤلم إنسانيًا.

مثلاً… يأتيك عميل في أمسّ الحاجة إلى دعم نفسي، لكن لا يملك ثمن الجلسة.
تتساءل: هل أستقبله مجانًا؟
مهنيًا: يجب الحفاظ على حدود واضحة.
إنسانيًا: لا يمكنك طرده.
ثم تتساءل: إن قبلته مجانًا… هل أظلم عملائي الآخرين؟ هل أُشوّش علاقتي بالعلاج؟
وإن رفضته… هل أصبحت أنا نفسي نموذجًا للرفض الذي جاء ليعالجه؟

ثم تأتيك حالة جديدة، فتاة تعاني من اضطراب عميق، وتقول لك بعد الجلسة الأولى:
"ما تقولش لوالديّا أي حاجة، حتى لو سألوك."
تهزّ رأسك بالموافقة احترامًا للسرية.
لكنها تلمّح في الجلسة التالية إلى إيذاء الذات.
فتقف أمام نفسك:
📌 هل أصمت احترامًا لخصوصيتها؟
📌 أم أتدخل وأخترق السرية لحمايتها؟
📌 وماذا لو حدث مكروه؟ هل سأُحاسَب لأني صمت؟ أم لأني تكلّمت؟

أما عن العلاقات الشخصية خارج الجلسة… فحدث ولا حرج.
في مدينة صغيرة، قد تجد نفسك تشتري الخبز من عميل سابق، أو تكتشف أن زميلتك صديقة لعميلة حالية، أو تتلقى طلب صداقة من والد العميل على فيسبوك.

تبدأ تسأل نفسك:

هل أردّ التحية إن رأيت العميل في الشارع؟

هل أقبل الهدية البسيطة التي جلبها بعد التحسن؟

هل أعلّق حين يذكر اسمي في منشور عام؟

كل هذه التفاصيل الصغيرة تتحوّل إلى صراعات كبيرة في داخلك… لأنك ببساطة لا تعالج أفكارًا فقط، بل تعيش وسط بشر، وكل موقف له وزنه المهني.

وتكتشف مع الوقت أن الأخلاقيات ليست قائمة حفظتها من الدرس الأول،
بل بوصلة داخلية تحتاج إلى تعديل دائم حسب الموقف، حسب العلاقة، حسب الضمير.

📌 كتبت في دفتر اليوميات:

> "أن تكون نفسانيًا يعني أن تتعلّم متى تقول (لا) وأنت تتألم… ومتى تقول (نعم) وأنت تتحمّل."



05/07/2025

🎭 "مذكرات نفساني ناشئ"

🧠 "القهوة، الصمت، والإحساس باللاجدوى... أيام لا يأتي فيها أحد"

في بداية مساري المهني، كنتُ أراجع قائمة المواعيد بإثارة لا تشبه إلا فرحة طفل يتوقع هدية.
ثلاثة عملاء في يوم واحد؟ أنا في قمة الإنتاج!
جلستان؟ يوم مثمر!
جلسة واحدة؟ نغتنمها ونحلّل!

لكن ما لم يخبرني به أحد... هو تلك الأيام التي لا يأتي فيها أحد.
لا اعتذار، لا اتصال، لا شيء.
مجرد صمت.

في البداية، كنت ألوم نفسي.
هل أخطأت مع العميل؟
هل نسيت موعدًا؟
هل أسلوبي ثقيل؟
هل نسيت أن أُظهر التعاطف؟
ثم أنظر للساعة، أذهب لتحضير القهوة... وأعود لأجد المكتب كما تركته: فارغًا.

هناك لحظات في مهنة النفساني لا يشكو فيها العميل... بل يشكو فيها النفساني من غياب العميل.

الكرسي المقابل يبقى خاليًا، والمكتب يبدو كصندوق بريد لم يتلقّ أي رسالة منذ أسابيع.
تبدأ تسمع صوت أفكارك وأنت تُمضغها مثل علكة قديمة:
"هل هذا طبيعي؟ هل هذا فشل؟ هل أنا غير مرئي؟"

ثم يأتيك الزميل المجاور، ويقول لك بابتسامة متعبة:
"حتى أنا عندي يوم راحة غير معلنة."
تضحكان معًا... ضحكة زرقاء باهتة، ضحكة من يفهم أن مهنة العلاج ليست مكتظة دائمًا.
أحيانًا، العلاج الحقيقي يحدث في غياب اللقاء، في صمت الانتظار، في الفراغ المجهد.

لكن الحقيقة الأصعب هي أن هذه الأيام تصنع الإحساس باللاجدوى.
كأنك حضرت لعرض مسرحي ولم يأتِ أحد للجمهور.
كأنك جئت لتطبّب أحدًا... ولم يمرض أحد!

في البداية، شعرت أن لا جدوى من وجودي... لكن مع الوقت، تعلّمت أن الاحتراف ليس فقط في ملء الجلسات، بل في الاستمرار رغم غيابها.
أن تثبُت في مكانك، أن تراجع أدواتك، أن تُحدّث مراجعك، أن تُعيد قراءة نفسك وأنت بلا جمهور.
فالنفساني المحترف لا يُبنى فقط من تفاعل العملاء... بل من صبره حين يغيبون.

📌 كتبت في دفتر اليوميات:

> "في الأيام التي لا يأتي فيها أحد، أنت لا تعمل على عميل... بل تعمل على ذاتك المهنية."



04/07/2025

🎭 "مذكرات نفساني ناشئ"
🧠 "الفضفضة الخاطئة... حين تتحول الجلسة إلى ديوان شكاوى"

دخلتُ الجلسة بابتسامة مهنية محايدة، كما علّمونا في الجامعة، وجلسَ العميل مقابلي بكل هدوء. سألته بكل لطف:
"ما الذي ترغب في العمل عليه اليوم؟"
ردّ بابتسامة لطيفة:
"لا شيء محدد… نحب غير نحكي."

حسنًا. الانطلاق الحر لا بأس به، قد يكون مدخلًا جيدًا لاستكشاف ما وراء الخطاب.

لكن دقائق معدودة تحوّلت إلى نصف ساعة من الحديث العشوائي.
قصة عن زميله في العمل الذي لا يرد على رسائله.
ثم حكاية عن جارته التي تغيرت منذ أن اشترت سيارة.
ثم مطعم جديد في الحي، والمشكل الذي حدث مع النادل، والبيتزا التي لم تكن ناضجة كفاية.
كل ذلك وأنا أُ nod برأسي، أحاول أن أجد خيطًا نفسيًا واحدًا أتمسك به… فلا أجد.

كلما حاولت أن أُعيد الحديث إلى بنية علاجية، قال لي:
"نحب نحكي برك… بلا ما نحللوني."

أدركت حينها أنني لا أقدّم علاجًا نفسيًا… بل أقدّم خدمة الاستماع بلا شرط، أو ما يمكن تسميته: "جلسة تهوية نفسية من النوع الشعبي".

في تلك اللحظة، واجهت المعضلة المهنية الشهيرة:
📌 هل أتركه يتكلم وأصمت احتراما لحاجته؟
أم أتدخل وأعيد تشكيل العلاقة العلاجية؟

بين "الاستماع الدافئ" و"التمكين المهني"، يوجد خيط رفيع يُسمّى: "حدود العمل النفسي".
لأن العميل أحيانًا لا يفرّق بين الفضفضة كتنفيس مؤقت،
وبين العلاج النفسي كمسار منظم نحو التغيير.

وفي كثير من الحالات، يأتي العميل مقتنعًا بأن الجلسة هي مجرد مكان لتخفيف الضغط، مثل فاصل إعلاني بين أحداث الحياة، لا أكثر.
لكن إن تركته يستمر بهذا الشكل، سيغادر بعد خمس جلسات قائلاً:
"ما حسّيت بحتى تغيير!"
وسأُحمّل أنا كامل المسؤولية، رغم أنني قضيت معظم الجلسات في الاستماع لمغامراته مع طباخ الحي وسوء تنظيم الطابور في البريد.

من هنا، بدأتُ أعيد رسم العلاقة.
أخبرته بهدوء أن الجلسة لها هدف، وأنني أحترم حاجته للحديث، لكن دوري ليس فقط الاستماع، بل مساعدته على فهم ما وراء الكلام، وربطه بنمط معين، بموضوع متكرر، بصراع داخلي.
وبدأت أعرض عليه بهدوء نماذج عمل ملموسة: بطاقات، خرائط ذهنية، تمارين استبصار.

بعض العملاء يتجاوبون.
والبعض الآخر يقول لك:
"أنا ما نيش مريض… نحب نحكي برك."
فتفهم أن الأمر يتجاوز المهنة… ويمسّ الثقافة العامة حول معنى المساعدة النفسية.

في تلك الليلة، كتبت في مذكرتي:

> "أصعب جلسة ليست تلك التي يرفض فيها العميل الحديث… بل تلك التي يتحدث فيها كثيرًا، دون أن يقول شيئًا مهمًّا."



03/07/2025

🎭 مذكرات نفساني ناشئ
"بين الزملاء… حين تتحول المهنة إلى ساحة تحليل متبادل"

بدأ اليوم كما لا يبدأ أحد: دخول المكتب وسط حديث ودود وابتسامات متبادلة، لكن خلف كل تحيةٍ ودفتر ملاحظات، هناك همّ خفيّ يتردد في أرجاء القاعة؛ همّ تحليل الزميل للطرف الآخر وكأن كل لقاء هو جلسة نقد نفسي سرية.

في زاوية المكتب، تجلس زميلتك التي تُعرف بذكائها الحاد وسرعة ردها، تدعوها الجميع "المحللة"، لتحظى بملاحظات تتنوع بين "تحليل الشخصية" و"قراءة العلامات الخفية". حين تحين لحظة استراحة القهوة، لا يفتئ أحدها عن أن تُعلّق:
"أنا شفت حالة عميل الأسبوع الماضي، واستخلصت منه ثلاث بصمات نفسية... أكيد عنده عقدة جدية مع والده!"
يضحك الجميع، وبعضهم يحاول تقليد تعليقها الهزلي دون قصد تحليل عميق يفوق مستوى الطرفة.

وفيما بين ذلك، يمرّ زميل آخر، معروف بهدوئه ورزانته، فيُدخل همسه المهني قائلاً:
"لابد أن نراجع ملفات العملاء بشكل دوري، لأن التكرار في الأعراض يحتاج إلى إعادة تقييم منهجي."
وترى لاحقًا، وهو يتبادل النظرات مع زميله الذي يبدو وكأنه يقول: "أنا أرى أن عملي أكثر تعقيدًا مما تصفه الأرقام"، فيتحول النقاش إلى مناظرة خفيفة عن أفضل المقاييس العلاجية، وكيف أن كل واحدٍ منا لديه أسلوبه الخاص في قراءة نفس العميل من زاوية نقدية.

يصبح المشهد حين يقرر أحد الزملاء تقديم استشارة مشتركة، حيث تُفتح نقاشات جادة حول الملفات العلاجية وتدخل عليها تعليقات طريفة مثل:
"يا ترى، هل نحتاج لعقد جلسة تحليلية مشتركة لنحلل تحليل بعضنا البعض؟"
وهذا يثير موجة من الضحكات الجافة تعكس حقيقة الموقف؛ رغم أن كل منا يسعى لتحقيق الأثر العلاجي الأسمى، إلا أن التنافس الظريف والانتقاد البنّاء جزء لا يتجزأ من الحياة المهنية، ما يخلق مزيجًا فريدًا بين الجد والهزل.

وفي نهاية اليوم، يُختتم الاجتماع القصير بين الزملاء بطريقة تحمل لمسة فلسفية ساخرة:
"الأمر ليس فقط في معالجة العميل، بل في كيفية فهمنا لأنفسنا من خلال تعليقات زملائنا؛ فربما نكون جميعًا عبارات في دفتر كبير يحتاج إلى قليل من التحرير المشترك."
في تلك اللحظة، يشعر كل واحد بأن المهنة ليست مجرد جلسات علاجية موجهة للعميل، بل هي أيضاً لقاءاتٍ يومية تساهم في صقل مهاراتنا وتحليلنا الذاتي، حتى وإن جاءت بلمسة فكاهية خفيفة تُضفي على الروتين جانباً من الإنسانية.

وبينما تُغلق الأوراق، يُخرج كل زميل هاتفه لتسجيل بعض الملاحظات أو حتى لتوثيق تعليقات ضاحكة عن تجربته اليومية، يعود كل منهم إلى مكتبه وهو يدرك أن هذه اللحظات الصغيرة من التحليل المتبادل بين الزملاء ليست مجرد تبادل للآراء؛ بل هي بمثابة جسرٍ من التماسك المهني والرؤية المشتركة التي تُثري ميدان العمل النفسي بروح الفريق والحس النقدي البنّاء.



01/07/2025

🧠 مذكرات نفساني ناشئ – :
بين العميل والورق... النفساني وسط البيروقراطية

كنت أظن أن التحدي الحقيقي في مهنتي سيكون التعامل مع الحالات المعقدة، أو الصدمات العميقة، أو العملاء الذين يرفضون التغيير… لكن الحقيقة؟
أول وأشرس صدمة مهنية كانت: الطابعة ما تخدمش.

أجل. دخلت العمل وأنا أحمل همّ العلاقة العلاجية، وأخرجت منه وأنا أحمل ملفًّا بني اللون بـ 46 ورقة مطلوبة لكل عميل.
كل شيء يحتاج وثيقة.
كل وثيقة تحتاج توقيعًا.
كل توقيع يحتاج ختمًا.
وكل ختم… يحتاج رحلة حج إلى الإدارة.

في أول أسبوع، قضيت وقتًا أطول أمام آلة النسخ من وقتي مع العملاء.
وأصبحت أُتقن فنّ ترتيب الأوراق أكثر من ترتيب الأفكار.
بدأت أشكّ في مهنتي:
هل أنا أخصائي نفسي؟ أم سكرتير فني بدرجة معالج عيادي؟

والمضحك أن العميل نفسه – الذي من المفترض أن أكون معه في علاقة علاجية – يدخل المكتب فأستقبله بسؤال:
"جبت الملف كامل؟ صورت بطاقة التعريف؟ الإمضاء هنا، والتاريخ هنا."
أشعر أنني أعمل في مصلحة الضرائب النفسية.

أحيانًا، وسط الجلسة، أكون مستغرقًا في تحليل بنية الدفاع النفسي لدى العميل… وفجأة أتذكّر:
"نسيت نطلب منه يكتب رقم الهاتف على الاستمارة!"
فأتحوّل من محلّل إلى موظف إداري بملامح رسمية وصوت خافت.

ثم تبدأ مرحلة الإحصاءات.
عدد العملاء. عدد الجلسات. نوعية الاضطرابات. عدد الإنقطاعات.
تُحوَّل المشاعر البشرية إلى أعمدة Excel.
وأنت تحاول أن تشرح للإدارة أن الأثر العلاجي لا يُقاس بعدد الجلسات، بل بالتحوّل في البنية النفسية، فيقول لك المسؤول الإداري:
"احكيلي بلغة الأرقام فقط."

وهكذا يصبح النفساني محاصرًا بين رسالته المهنية، والروتين الإداري الذي يطالبك بكل شيء إلا أن تكون نفسانيًا.

لكن، ورغم كل هذا، هناك شيء غريب يحدث:
تبدأ تتعلّم كيف تشتغل رغم العراقيل.
تطبع أوراقك بسرعة، تطوّع الوقت، تحوّل السجلات إلى أدوات تخدمك، وتخلق بين الورق والواقع جسرًا صغيرًا من الحيلة الذكية.

وتتذكّر أن النفساني لا يُقاس بمدى راحته، بل بمرونته.
الاحتراف ليس أن تعمل في ظروف مثالية… بل أن تخلق لحظات علاجية حقيقية وسط ضجيج الطابعة، وروائح الحبر، وثقل الملفات.


29/06/2025

🧠 مذكرات نفساني ناشئ – :
بين العميل و"الواعرة"... حوارات Google & TikTok

في مرحلةٍ مبكرة جدًا من تجربتك المهنية، تكتشف نوعًا فريدًا من العملاء. هؤلاء لا يأتون إليك بحثًا عن فهم أو علاج، بل يدخلون الجلسة وفي أذهانهم أن مهمتك هي تأكيد ما "اكتشفوه" هم بأنفسهم على Google أو TikTok.

يجلس العميل أمامك بثقة واثقة أكثر من اللازم، ويقول:
"أستاذ، قرأت عن حالتي... راني عارف كلش، نحب غير نأكد معاك."

تحاول بدء الجلسة بأسئلة تقييمية منهجية، فيقاطعك بكل هدوء:
"نحب نبدأ مباشرة بـ EMDR، CBT ما نفعش معايا، جربتو بوحدي ومشفتيش فرق."

وعندما تسأله عن الأساس الذي بنى عليه تشخيصه الذاتي، يُخرج هاتفه من جيبه ويعرض لك فيديو لدكتور أمريكي، يقول فيه إن كل من يتنفس بطريقة غير منتظمة ربما يحمل أثرًا لصدمات الطفولة. يقفز فجأة ليحدثك عن "الشاكرا"، "الذبذبات"، "اللاوعي الجمعي"، "الطفل الداخلي المجروح"، وربما يربط مشاكله العاطفية بعدم توازن الطاقة في القولون العصبي!

في هذه اللحظة لا تدري: هل أنت في جلسة نفسية؟ أم في ندوة تحفيزية حول العلاج بالألوان؟ هل تفتح ملف العميل؟ أم تفتح قناة اليوتيوب ليتأكد كل طرف من مرجعيته؟

ولنكن واقعيين: هذا النوع من العملاء ليس بالضرورة سيئ النية. بالعكس، هو غالبًا ضحية وفرة معلومات بلا تأطير. لقد استهلك من المحتوى النفسي ما يكفي ليفكر أنه "خبير"، دون أن يمر بالحد الأدنى من التدريب أو التوجيه أو حتى التمييز بين معلومة علمية ونصيحة استعراضية.

المشكلة الأكبر تظهر عندما يرفض العميل أسلوبك المهني لأنه لا "يتماشى مع تجاربه السابقة". وربما يخبرك أنه سيُجرب طريقة أخرى مع معالج "أكثر انفتاحًا"، أو ببساطة يتوقف عن الجلسات لأنك لم تُمكّنه من تحرير "الطفل الداخلي" في أول لقاء.

في هذه اللحظة، أنت كمختص حديث، قد تشعر بالإحباط. ولكن الحقيقة أن هذا النوع من التحدي هو جزء من الواقع العلاجي الحديث. مهمتك ليست الدخول في جدل مع العميل، بل أن تُعيد تشكيل العلاقة العلاجية: تضع الحدود، تعيد ضبط التوقعات، وتُفرّق بين العلاج الممنهج وبين التجريب الشخصي غير المؤطر.

بعض العملاء سينفتحون تدريجيًا حين يدركون الفرق بين المعالج وصانع المحتوى. والبعض الآخر سيغادر، وربما يعود بعد أشهر وهو يقول لك بهدوء:
"جربت بزاف… راني مستعد نبدأ معاك بجدية."

في النهاية، كتبت في دفتري الصغير:

> "المعرفة المجزأة التي يحملها العميل ليست عدوًا… بل مادة خام تحتاج إلى تأطير، لا إلى مجابهة."


28/06/2025

🎭 مذكرات نفساني ناشئ – :
أول جلسة… أول خيبة!
" في حضرة الصمت العميق والمراجع المتفرّج

أخيرًا… جاء اليوم الموعود. أول جلسة نفسية في حياتي المهنية. حضرت مبكرًا، نظفت المكتب كأن لجنة التفتيش قادمة، رتبت الكراسي بدقة هندسية، وضعت القلم والدفتر وكأنني سأكتب تاريخ البشرية. جلستُ وأنا أتنفس بثقة، وأقول لنفسي: "ها قد بدأت المسيرة!" دخل المراجع الأول… شاب في العشرينات، جلس أمامي وقال: "نعم…"

"تفضل؟" قلتُ له بابتسامة واثقة.

سكت.

انتظرته ليتكلم… سكت.

ابتسمت بلطف… سكت.

سألته إن كان يشعر بالراحة… ابتسم وقال: "ما نحبش نحكي بزاف."

وهكذا مرت عشرون دقيقة من الجلسة الأولى في صمت يليق بمكتبة وطنية. كنت أحاول إنقاذ الموقف بطرح أسئلة مفتوحة، نصف مفتوحة، مغلقة… أسئلة فلسفية… حتى فكرت في سؤاله عن رأيه في مفهوم الزمن عند كانط.

كل ما كنت أراه هو رأسه يهتز بلا أو نعم… وأنا أدوّن ملاحظات لا معنى لها كي لا أشعر أني مجرد تمثال بشري.

لكن الأمر لا يتوقف هنا.

الجلسة الثانية جاءت بمراجع آخر، هذه المرة كانت فتاة في بداية الثلاثينات. جلست بثقة مفرطة، وقالت: "أستاذ، قبل ما نبدأ، نقولك باللي أنا راني فاهمة كلش على حالتي… قريت بزاف في Google."

قالت إنها مصابة باضطراب الشخصية الحدية، الاكتئاب الموسمي، و"فوبيا من العلاقات المتذبذبة"، ولديها نسبة عالية من "التعلق القلِق"، مع احتمال وجود آثار لصدمة ما قبل الولادة.

قلتُ في نفسي: "الله يرحم جامعة الطب النفسي... هذا تخصص جديد اسمه دكتوراه Google العيادي."

وحين حاولت إعادة التقييم بطريقة مهنية، قالت: "لا داعي أستاذ، نحب ندخل في العلاج مباشرة."

أرادت أن نبدأ بالعلاج السلوكي الجدلي، وتتوقع رؤية نتائج ملموسة في غضون أسبوعين، وإلا فهي "ما راح تكمل".

وهكذا، بين مراجع لا يريد أن يتكلم، وآخر لا يريد أن يسمع، تبدأ رحلة النفساني الجديد مع الحقيقة الميدانية: لا أحد يقرأ الكتيبات التي تعلمناها، ولا أحد يدخل الجلسة بالطريقة التي تمنيناها.

وفي نهاية اليوم، أغلقت الدفتر، وضعت القلم، ونظرت إلى السقف… شعرت أنني وسط فيلم وثائقي عن حياة كائن نفسي مهدد بالانقراض.

لكني تذكرت شيئًا مهمًا جدًا… هذا طبيعي.

الصمت، التردد، سوء الفهم، محاولة السيطرة من طرف المراجع… كلها أعراض البداية. والأخصائي الناشئ لا يُبنى من "جلسة مثالية"، بل من تراكم التجارب، وخيبات صغيرة تصنع له حسًّا مهنيًّا قويًّا.

في النهاية، ذهبت لأحتسي قهوة، وأنا أقول لنفسي بابتسامة متعبة: "أول جلسة… أول خيبة… لكن مش أول هزيمة."


27/06/2025

🎭 مذكرات نفساني ناشئ: الحقيقة كما لم تقرأها في الكتيّبات الجامعية

عندما تتخرج كأخصائي نفسي، تستعد لدخول عالم الممارسة بروح مفعمة بالحماس، لكن سرعان ما تكتشف أن المجتمع لا يراك كما تراك أنت. مجرد أن يعلم أحدهم أنك مختص نفسي، تبدأ النظرات الغريبة: البعض يظنك تملك القدرة على قراءة الأفكار، وآخرون يتجنبون الحديث أمامك كي لا "تحللهم"، وكأنك كاميرا مراقبة نفسية متنقلة. أما البعض الآخر، فينصّبك فورًا كطبيب نفسي – لأن “كل ما له علاقة بالنفس فهو طب” – أو كخطيب تحفيزي يوزع جرعات من "آمن بنفسك" مجانًا. والحقيقة أنك لست هذا ولا ذاك، بل شخص يحاول أن يبني علاقة مهنية وسط هذا الضباب الإدراكي.

ثم تأتي المفاجأة الثانية: الناس تظن أن العلاج النفسي يشبه السحر، جلسة أو اثنتين وستُحلّ كل العقد. يجلس المراجع أمامك ويقول: "حياتي خربانة، نحب نصلحها اليوم." ولو قلت له إن العملية تحتاج وقتًا، أدوات تقييم، تعاون، وربما شهورًا من العمل المشترك، يرد عليك وكأنك تطلب منه تسلق جبل تاهرت بأظافره. والمضحك المبكي أن البعض يتفاجأ حين تطلب منه التعاون أو إنجاز فروض منزلية، ظنًا منهم أنك أنت من يفعل كل شيء، وهم فقط يأتون لـ"الفضفضة".

أما الجانب المالي، فهو فصل آخر من الكوميديا السوداء. فبما أن مهنتك "إنسانية"، فالمفترض أن تعمل مجانًا أو بمبلغ رمزي، لأنك "تعالج الأرواح" وليس لديك فواتير ولا كراء ولا مسؤوليات. وكأن البقال يعطيك الطماطم لأنك تحب الخير، أو صاحب الحافلة يوصلك مجانًا لأنك متخصص في الصحة النفسية!

وعندما تقرر أن تطوّر نفسك وتحضر دورات تكوينية، تدخل عالما آخر من الفوضى: مئات التكوينات تُعرض يوميًا، نصفها تحت شعارات براقة مثل "حل الصدمات في 48 ساعة"، أو "كيف تعالج الاكتئاب بالألوان"، فتكتشف أنك دفعت مالاً مقابل ورقة وابتسامة. وبين كل هذه التكوينات، القليل منها فعلاً ذو فائدة، وغالبًا ما يكون مكلفًا ويحتاج غربلة دقيقة.

وحتى داخل الوسط المهني، قد تصادف زملاء يرمون جملة مثل: "الجامعة ما علمتنا والو!" وكأن سنوات الدراسة كانت مضيعة وقت. وهذا أخطر فخ قد تقع فيه، لأنك إذا بدأت باحتقار ما تعلمته، ستفقد الثقة في المرجعيات العلمية التي تُكوّنك. نعم، الجامعة ليست مثالية، لكنها منحتك الأساس النظري، ومن دونه لا بناء حقيقي.

ومن جهة أخرى، لا تقع في فخ الانبهار بنجاحات غيرك أو تقليدهم الأعمى. لا تفترض أن كل ما نجح مع زميلك سينجح معك، فالسياقات تختلف، والحالات تختلف، والأدوات تختلف. لا يوجد وصفة سحرية موحدة. اصنع طريقك أنت، وافهم بيئتك، وجرّب، وقيّم، وعدّل. واعلم أن نجاح الحالة لا يعني أنك معجزة، كما أن فشلها لا يعني أنك فاشل. تحسّن المراجع ليس نتيجة عملك وحدك، بل نتيجة شبكة عوامل اجتماعية، بيئية، داخلية، وروحية أيضًا. تعلّم أن تفرح بالتحسّن دون أن تتوحد معه، وتقبل الانتكاسة دون أن تنهار.

في النهاية، الواقع صعب، لكنه ليس مستحيلاً. إذا كنت واقعيًا، ملتزمًا، متوازنًا، وتملك روح الدعابة، فستجد طريقك. وستأتيك لحظة – بعد سنوات – يجلس فيها مراجع أمامك ويقول لك: "أول مرة نفهم نفسي بهاد الشكل، شكراً." عندها فقط، سترى أن كل هذا العناء كان يستحق.




23/06/2025

الأصنام لا تنحت نفسها بل ينحتها عشاق العبودية

21/06/2025

❌ حين يتحوّل فعل الخير إلى منتج تسويقي... فقدنا البوصلة.

ليس من النبل أن تستغل قدسية الدين لترويج سلعة.
وليس من الأخلاق أن تُلبس الطمع ثوب الصدقة.

عندما يُقنعك المُسوّق بأن شراءك للأضحية منه هو "طريقك للخير"، أو أن فعل الإحسان يمرّ فقط عبر منصته، فهو لا يخاطب قلبك... بل يخاطب ذنبك، قلقك، وحاجتك للانتماء والتزكية النفسية.

⚠️ إنهم لا يبيعون الأضاحي... بل يبيعون لك الشعور بأنك طيب وناجٍ ومقبول فقط إن اشتريت منهم.
وهنا تنقلب المعادلة:
لم نعد نذبح قربةً لله، بل نذبح لتأكيد صورتنا الاجتماعية.

💔 حين يصبح "الكفن" سلعة دعائية
ويُقايض الحج والعمرة بصكوك مغفرة مزعومة
فاعلم أن السوق لم يترك حتى ما بينك وبين ربك دون تدخل.

🧠 سيكولوجيًا، هذا النوع من التسويق يستغل:

حاجة الإنسان للمعنى والخلاص.

شعوره بالذنب ورغبته في التكفير.

قلقه من الموت، والدار الآخرة.

رغبةه في الظهور بمظهر الخيّر، المُزكّى.

لكن:
الخير لا يُشترى.
والنية لا تُختزل في فاتورة.
والله لا يحتاج إلى وسطاء تجاريين ليصل إليك.

🔚 افعل الخير، واذبح، وتصدق، واحج...
لكن افعلها لله، لا لمُسوق يخبرك أن الجنة في "سلة المشتريات".

21/06/2025

أطول يوم في السنة
🥵🥵🥵

Adresse

Blida

Site Web

Notifications

Soyez le premier à savoir et laissez-nous vous envoyer un courriel lorsque Aouidat Zakaria publie des nouvelles et des promotions. Votre adresse e-mail ne sera pas utilisée à d'autres fins, et vous pouvez vous désabonner à tout moment.

Partager