07/07/2025
🎭 "مذكرات نفساني ناشئ"
🧠 "السرية بين الجدران... والمجتمع الذي يراقب الباب"
في صباح يوم دافئ، كنت أُحضّر القهوة في مكتبي الذي يقع في طابقٍ علويٍّ منعزل، خلف ثلاث أبواب، وسلالم ملتوية، بلا لافتة، بلا لوحة، كأنك تدخل غرفة تحقيق لا عيادة نفسية.
قصدتُ هذا الموقع عن قصد، قلت لنفسي:
"احترامًا لسرية العميل، وحرصًا على خصوصيته."
لكن في داخلي… سؤال لم يسكت:
"هل أخدم العميل؟ أم أخدم خجله؟"
كل يوم، يدخل العملاء وهم ينظرون خلفهم مرتين قبل أن يطرقوا الباب.
بعضهم يتأكد أن لا أحد رآه، وبعضهم ينتظر حتى يخلو الرصيف.
بل قال لي أحدهم مرةً:
"كي جيت أول مرة حسبتني داخل محل سرّي!"
في البداية، شعرت أنني أقدّم خدمة راقية: أُخفي وجه العميل عن الناس، وأحميه من أعين المتطفلين.
لكن مع الوقت، بدأت أشكّ:
هل نحن نُطبّق السرية المهنية؟ أم نُمارس رقابة اجتماعية ناعمة؟
هل نحترم خصوصية العميل؟ أم نُعزّز حاجته إلى التخفي وكأن العلاج النفسي جريمة؟
الحقيقة المُرّة أن هذا التوجّه ليس نابعًا من المهنة... بل من ثقافة اجتماعية تجرّم الألم النفسي وتكافئ التظاهر بالصحة.
المجتمع لا زال يعتقد أن من يدخل عند النفساني فهو "ضعيف"، "مجنون"، أو "ما قادرش يتحكم في روحو".
ولهذا، نخفي المكاتب ونغلق الستائر ونخفت الأضواء… باسم "السرية".
لكن السرية الحقيقية ليست أن تخفي العنوان… بل أن تحمي المعلومة.
أن تصون ما يُقال داخل الجلسة، لا أن تُغلق الواجهة وتشارك في لعبة "ما يخصكش من داخل".
مكتب الطبيب الباطني في الشارع الرئيسي، والناس تدخل وتخرج منه دون خجل… لماذا؟
لأن "المعدة" لا تُخجل، أما "الروح" فهي… عار؟
تحدثني زميلة مرة:
"أنا درت عيادتي في بناية معروفة، حطيت لافتة كبيرة… وقلت نكسر الصمت."
قلت لها:
"وراحو لي العملاء اللي كانوا يحبوا السرية؟"
قالت:
"جوني عملاء أكثر… جريئين، واعين، ومرتاحين من أول جلسة."
من هنا أدركت أن السرية لا تعني الانعزال… بل الاحترام.
وأن الخصوصية لا تعني الاختباء… بل الكرامة.
وأننا إذا أردنا أن نُغيّر نظرة المجتمع، يجب أن نُطبع وجودنا، لا أن نخفيه.
يجب أن تصبح لافتة "مكتب أخصائي نفسي" شيئًا طبيعيًا… كأنها عيادة أسنان.
📌 كتبت في دفتر اليوميات:
> "ليس المطلوب أن نحمي العميل من أعين الناس… بل أن نحميه من خجله منهم. والفرق… يصنع ثورة في وعي المجتمع."