08/05/2025
إيجابية السلبية
يظن البعض أن السعادة والتعاسة نقيضين كالنور والظلمة.. إذا وجد واحد انعدم الآخر.. فإما أن تكون حياتك في نور السعادة، أو أن ترزح في ظلمات الكئابة والحزن. إما أن تكون جيدا أو سيئا، ناجحا أو فاشلا.. هذه الثنائيات تضللنا وتجعل بلوغ السعادة الحقيقية أمرا مستحيلا.
الصورة الأكثر واقعية للسعادة، و التي ترسمها البيانات العلمية لاستطلاعات الرأي المتعلقة بالصحة النفسية، ترينا كيف أن الاثنين متداخلين بصورة كبيرة.. فالأشخاص الأكثر سعادة ورضا عن حياتهم، يظل لديهم مشاعر سلبية بالتوازي. ليس لأن الحياة مليئة بالمنغصات والمشاكل، بل لأن هذا جزء من تكويننا النفسي ذاته. المشاعر السلبية أكثر تجذرا وارتباطا بتاريخنا التطوري.
حين راح العلماء يحسبون النسبة المثالية للمشاعر الإيجابية والسلبية التي يشعر بها الإنسان السعيد، وجدوا أنها لا تتجاوز ٣ إلى ١ .. أي ٣ مشاعر إيجابية في مقابل كل شعور سلبي واحد.. لو حققت هذه النسبة فأنت من أكثر الناس سعادة في الحياة! وفي نفس الدراسة، يضيف العلماء ملاحظة عجيبة هي أن هذه النسبة لو زادت إلي ١٢ إلى ١ مثلا، فإنها ليست مؤشرا لشيء جيد.. بل قد تدل على وجود خلل نفسي يسبب هذا القدر غير الطبيعي من الهوس وعدم الكفاءة في إدارة شؤون الحياة نظرا لعدم التفاعل مع الأحداث بالجدية اللازمة!
كما أن لكل شعور سلبي فوائد إيجابية.. الغضب مثلا شعور سهل، قد لا يعني إلا العجز عن ضبط النفس إذا ما هز كبريائها أحد.. إلا أنه شعور أخلاقي لو كان من أجل شخص آخر، كأن تدافع عن عامل فقير لا حيلة له أمام مدير عنصري مثلا، انتصارا لمبدأ وقيمة أخلاقية، لا لنفسك وأحبابك!
والخوف في مقداره الصحيح يعد نوعا من الحذر والحيطة بدلا من إلقاء النفس في تهلكة مخاطر غير محسوبة العواقب.. المشكلة الوحيدة المشاعر السلبية، هي ضرورة تعلم كيفية إدارتها.. بحيث لا تزيد عن نسبة السعادة أكثر من اللازم، و لا تظل مستمرة لفترة طويلة تعيق القدرة على ممارسة الحياة بكفاءة.. كمن يكتئب فيهمل عمله وأسرته فتهتز أركان حياته.
من الضروري إدارة مشاعرنا بطريقة تساعد في ضبط مقدارها حسب سياق الحياة، كعملية مستمرة مع تقلبات الظروف والأحوال.. فالسعادة الحقيقية ليست حالة استاتيكية جامدة، يبلغها المرء فيستقر به الحال بعد طول تعب، بل هي مهارة ديناميكية دائمة التفاعل والتطور.
كتاب السعادة الواقعية
د. شريف عرفة