14/09/2025
من بريستول إلى القاهرة… رحلة برمجة الجنين
في أوائل التسعينات، انطلقت واحدة من أعظم الدراسات الطبية والاجتماعية في العالم من مدينة بريستول البريطانية ، الدراسة عُرفت باسم ALSPAC أو أولاد التسعينات.
فكرتها كانت ثورية: متابعة أكثر من 14,500 أم حامل وأطفالهن منذ الحمل وحتى البلوغ، لمعرفة كيف تؤثر حياة الأم أثناء الحمل على صحة الجنين… ليس فقط عند الولادة، بل على امتداد العمر كله.
جمع الباحثون كل ما يمكن تخيله:
- غذاء الأم ونوعية الفيتامينات.
- حالتها النفسية والمزاجية.
- علاقتها الأسرية والاجتماعية.
- البيئة المنزلية والمدرسية.
- وحتى العوامل الجينية والوراثية.
والأثر العلمي؟
نظرية برمجة الجنين Fetal Programming كانت مطروحة قبل ذلك، لكن هذه الدراسة العملاقة قدمت أكبر وأقوى دليل عملي عليها، وأثبتت للعالم أن ما تتعرض له الأم أثناء الحمل يترك بصمة دائمة على صحة الأبناء الجسدية والنفسية عبر مراحل العمر المختلفة.
من أبرز النتائج:
- تدخين الأم أثناء الحمل = زيادة الربو، السمنة، وصعوبات التعلم عند الأطفال.
- اكتئاب الأم أثناء الحمل = آثار ممتدة على الصحة النفسية للأبناء في المراهقة.
- جودة العلاقة بين الأم وزوجها = تنعكس على سلوك الطفل وثقته بنفسه.
الخلاصة التي غيرت الفكر الطبي: الحمل ليس مجرد 9 أشهر… إنه تأسيس لعمر كامل .
وماذا عن مصر؟
اليوم، وبعد أكثر من 30 عامًا من انطلاق تلك الدراسة، نخوض نحن في مصر معركة أعقد طبقا لنتائج المسح الصحي للأسرة المصرية ٢٠٢١:
- 38% من السيدات المصريات مصابات بالأنيميا.
- 86% من النساء يعانين من زيادة الوزن أو البدانة.
- 77% لديهن سلوك إنجابي عالي الخطورة.
- 72% من الولادات تتم بعملية قيصرية.
إلى جانب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تُثقل كاهل الأمهات.
إذا كانت بريطانيا قد بدأت في التسعينات مشروعًا لفهم "برمجة الجنين"، فنحن اليوم أحوج ما نكون لتحويلها إلى مشروع قومي مصري، ضمن رؤية بناء الإنسان التي تقودها الجمهورية الجديدة.
فالمستقبل لا يُصنع فقط في قاعات الدرس أو الجامعات…
مستقبل مصر يبدأ من رحم الأم.
#بداية