
18/09/2025
كانت طفلة صغيرة…
مليانة حياة، مليانة عفوية، مليانة صدق.
لكن في عيون أمها والمجتمع، كل هذا ما كان يكفي.
كان لازم تكون مؤدبة، تسمع الكلام، تبتسم للجميع، ترد باحترام، تجيب علامات عالية، وتخفي أي تصرف “غريب” ممكن يزعج الآخرين.
ومن هون بدأ الجرح الأول:
“أنا غير مقبولة كما أنا.”
تعلمت تلبس أقنعة.
تخفي مشاعرها.
تسكت صوتها.
تضحك وقت ما لازم تبكي.
تتظاهر بالرضى وهي موجوعة.
كبرت وهي حاملة سر خطير: إنو الحب مش مجاني…
الحب مربوط بشروط.
وفي المراهقة، تكررت الصفعة: أب يربط قيمتها بعلاماتها.
في شبابها، علاقات تربط قيمتها بمقدار عطاءها.
وفي المجتمع، الصورة نفسها: “أنتِ مش كافية إلا إذا…”
كل مرحلة من حياتها كانت تعيد كتابة نفس الجملة على جدار قلبها:
“أنتِ غير كافية.”
لكن يوم صارت أم، صار التحوّل.
طفلها إجا، مش بس كطفل يحتاج تربية… بل كرسالة، كأداة، كمعلم.
إجا يحمل النقطة الناقصة في قلبها: القبول بلا شرط.
فصارت تعطيه كل ما حُرمت منه:
الحب، الحرية، السماح، التقدير…
وفي كل مرة تسمح له يكون نفسه، هي كانت بنفس اللحظة تعطي لطفلتها الداخلية نفس الحق.
وهون وقع الإدراك الأعظم:
هذا الطفل مش مجرد ابن.
هذا الطفل معلّمها الأول.
هو اليد اللي مدّها القدر عشان ترجع لأصلها.
هو المصدر اللي خلاها تكتشف إن النقص اللي عاشته مش لعنة… بل رسالة.
لأن النقص اللي حملته في طفولتها، صار هو بالضبط الشي اللي علّمها كيف تعطي.
وصار بابها لرحلة عودة للحب الحقيقي… الحب اللي بلا شروط.
بدون لوم.
لا على الأم، ولا على الأب، ولا على أي أحد.
كلهم كانوا معلّمين، جايين بترتيب إلهي، عشان يوجهوها نحو الحقيقة:
أن جوهر وجودها هو المحبة، والرسالة الأعمق هي العطاء من المكان اللي شعرت فيه بالنقص.
الطفل يتحرر… والأم تتحرر.
والرحلة كلها تصير رحلة عودة…
عودة للحب الأول: الحب اللي ما بطلب مقابل
رشا بدوي