11/08/2021
وكم كان أرسطو صادقاً عندما قال: "السعادة من نصيب المكتفين بذواتهم". فكُلّ المصادر الخارجية والمتع العابرة لا يُعوّل عليها في تحقيق السعادة لأنها مصطنعة، منفلتة وعشوائية، وبالتالي فهي مندورة حتما للنضوب السريع ولو في الظروف المناسبة جدا، وطالما لا نحصل عليها وقتما وكيفما نشاء فستظل كذلك. زد على ذلك أن النضوب المحتوم يطالها كلما تقدمنا في السن لتتخلى عنا رويداً رويدا. وهذه المتع تشمل الحب وروح المرح والشغف بالأسفار وركوب الخيل وحب الظهور، وهكذا إلى أن يدركنا الموت فينتزعنا حتى من أعز الناس إلينا كالأصدقاء والخِلاّن والآباء. فهذا العالم يعُجّ بالبؤس والآلام لا يبشر بربحٍ طائل نجنيه منه، فمن أفلت فيه من قبضة هذين الوحشين الكاسرين أي البؤس والألم، تربّص به الضجر وكان له بالمرصاد عند كل منعرج.
إن الشر هو الذي يقود خُطى هذا العالم في مجمله، أما البلادة فهي الصوت المسموع أكثر. الأقدار فظة وشرسة والناس بين مخالبها مثيرون للشفقة. إن الشخص الذي يتوفر في قرارة نفسه على أشياء كثيرة، والمكتفي بذاته في هذا العالم شبيه بغرفة تتوسطها شجرة الميلاد، غرفة مضيئة، دافئة ومنشرحة وسط صقيع ليلة من ليالي دجنبر القارسة. الغني بذاته والمتفوق بذكائه هو أسعد الناس في هذه الدنيا ولا مجال لمقارنة حاله ومآله بأحوال ومآلات غيره حتى ولو بدت فاتنة ومتوهجة.
➖ أرتور شوبنهاور من كتاب فن العيش الحكيم ، ترجمة عبدالله زارو