31/08/2025
Back to School… أم العودة إلى الجحيم؟
متى يتغيّر المنهج الدراسي في لبنان؟
المناهج في لبنان مهترئة وقديمة، موادها لا تمتّ بصلة إلى الحياة العملية ولا تُضيف شيئًا إلى مسيرة الطالب المستقبلية. كلّ ما تفعله هو دفع الطالب إلى الحفظ والتلقين، لا إلى التفكير والابتكار. فالطالب لا يدرس اليوم ليكتسب معرفة أو ليُنمّي شغفه، بل يدرس ليجتاز امتحانًا ويجمع علامات تؤهّله للجامعة. لقد تحوّلت الدراسة إلى جسر عبور، فارغ من أي مضمون تربوي أو إنساني.
أكتب هذه المقالة لأنني من خلال مرافقتي للعائلات، وخصوصًا في هذا الشهر مع بداية العام الدراسي، لمست أنّ هذا الموضوع يشغل الجميع. في كل جلسة، وفي كل حوار، تسمع الشكوى نفسها: الأولاد لا يحبّون المدرسة، الأهل مرهقون، والمنهج لا يتغيّر. هذا العام بالذات، ازدادت الإعلانات والدعايات عن العودة إلى المدرسة، لكن خلف هذه الصور الملوّنة والابتسامات المصطنعة، هناك وجع حقيقي.
أنا لا أتكلم عن الأقساط أو الكتب المنقّحة
أنا لا أتكلم هنا عن الأقساط المرتفعة، ولا عن طباعة كتب جديدة ومنقّحة كل سنة، فهذه أزمة قائمة بحدّ ذاتها. موضوعي أعمق: المنهج نفسه. المنهج الذي لم يتغيّر منذ عقود، وكأنّ الزمن توقّف عند جيلنا.
المنهج المرهق
المنهج في لبنان منهك ومُهترئ. أبناؤنا يدرسون في الكتب نفسها التي درسناها نحن، بالمواد ذاتها، وبالأساليب القديمة. نتحدّث عن التطوّر لكننا نزرع فيهم الحفظ الببغائي، والركض وراء العلامات، بدل أن نزرع حبّ التعلّم والبحث.
هل يُعقل أن يكون همّ الطالب الوحيد النجاح والانتقال إلى الجامعة؟ أين المعرفة؟ أين الشغف؟ أين التفكير النقدي والإبداعي؟ أين المواد التي تُهيّئه للحياة اليومية: كيف يتعامل مع الضغوط النفسية؟ كيف يدير ميزانية شخصية؟ كيف يستخدم التكنولوجيا بوعي وإبداع؟
الكتب الثقيلة… خدعة الشنطة
طفل يحمل يوميًا أكثر من 40 كيلو من الكتب على ظهره! في وقت يتّجه العالم إلى الرقمنة والـ e-book، ما زلنا نُبرّر الورق بحجّة “ملمس الكتاب”. النتيجة؟ ظهر متعب، أشجار مقطوعة، وبيئة مثقلة.
الأساتذة في دائرة الضوء
المشكلة ليست في الكتب فقط، بل في بعض الأساتذة الذين لم يتطوّروا، ولم يدخلوا عالم التكنولوجيا، وربما وصلوا إلى الصفوف بالواسطة لا بالكفاءة. الطالب يحتاج اليوم إلى معلّم مُلهِم، لا مجرّد ناقل معلومات.
غياب المواد الحياتية
من الطبيعي أن نُدخل مواد جديدة:
• التفكير النقدي والابتكار الرقمي.
• مبادئ الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
• Savoir-faire & Savoir-vivre.
• الوعي على التحرّش الجنسي، الاستغلال، والتنمر.
• التربية المالية، الصحة النفسية، ومهارات التواصل.
أين المواهب؟
لماذا لا يكون في المنهج ساعتان يوميًا مخصّصتان للمواهب: موسيقى، رياضة، رسم، مسرح، سباحة… وإذا لم تكن المدرسة مجهّزة، يمكنها التعاقد مع النوادي القريبة. تجاهل المواهب يعني قتل الطفولة في مهدها.
كارثة الفروض وWeekend الضائع
الواجبات المدرسية أصبحت عبئًا على التلميذ والأهل، تمتد حتى المساء، وتسرق Weekend العائلة. بدل أن تكون العطلة مساحة للراحة واللقاء، تتحوّل إلى وقت إضافي للحفظ والتحضير. الحل واضح: Weekend خالٍ من الفروض والامتحانات.
التعليم الخصوصي بعد الظهر… قسطان بدل القسط!
عدد كبير من التلامذة يحتاجون إلى دروس خصوصية فقط لفهم ما أُعطي في الصف. النتيجة: قسط صباحي للمدرسة، وقسط مسائي للمدرّس الخصوصي. نسخة تربوية عن واقع لبناني نعرفه: فاتورتان دائمًا!
المدرسة صارت عبئًا
حين يفرح الولد بأنّ المدرسة مغلقة، أو يقول إنه لا يحبّها، فهذا خلل كبير. المشكلة ليست في حبّ التلميذ للتعلّم، بل في نظامٍ يجعله يكرهه. لو وجد مواد مرتبطة بالحياة، وأساتذة مُلهمين، لما احتجنا لإقناعه بالدراسة، بل كان هو من يسعى إليها.
الخلاصة
إنها ليست أزمة عابرة. نحن أمام كارثة تربوية حقيقية إذا لم نتحرّك اليوم. المطلوب إصلاح جذري: تحديث المناهج، رقمنة التعليم، تدريب الأساتذة، إدخال مواد حياتية، اكتشاف المواهب، وتخفيف الأعباء عن التلميذ والأهل.
التربية ليست ترفًا. هي حجر الأساس لمستقبل الوطن. والسؤال الذي يطرح نفسه مع كل عام دراسي جديد:
Back to School… أم العودة إلى الجحيم؟ ومتى يتغيّر المنهج الدراسي في لبنان؟
نداء للأهالي والطلاب
أهالي لبنان، طلاب لبنان، لجان الاهل، الخريجين والقدامى، …: لا تبقوا صامتين! شاركوا آرائكم، اطلبوا تغييرات فعلية، وكونوا صوتًا قويًا يضغط على المعنيين لإصلاح التعليم. الكتابة، الاجتماعات، الحملات، وحتى التواصل المباشر مع المسؤولين يمكن أن تُحدث فرقًا. كل صوت يُسمع اليوم يزرع أملًا وغدًا أفضل لأولادنا.
بيار الكلاّس
#لبنان