15/10/2025
والرؤية الشرعية والنفسية المتوازنة
يعاني العديد من أصحاب الوسواس القهري من هاجس انتقال النجاسات، مما يدفعهم إلى سلوكيات قهرية مجهدة، كتكرار تغيير الملابس، وغسل الفراش باستمرار، ومسح الأرضيات مراراً، وتكرار غسل اليدين حتى يتقشر الجلد، والحقيقة أن الشريعة الإسلامية السمحاء لم تأت لتثقل كاهل الإنسان، بل جاءت ميسرة، داعية إلى نبذ التكلف والتنطع والتدقيق المفرط.
#فما المنهج السليم للتخلص من هذا الوسواس؟
يقوم الحل على قاعدة أصولية عظيمة: "الأصل في الأشياء الطهارة"، فلا يحكم على شيء بالنجاسة إلا إذا ظهرت فيه أوصافها المميزة، وهي: اللون، أو الرائحة، أو الطعم. وهذا بناءً على فتوى الشيخ سليمان الماجد -حفظه الله- حيث قال: "لا يحكم على شيء بالنجاسة إلا إذا ظهرت فيه إحدى أوصاف النجاسة الثلاثة: الطعم أو اللون أو الرائحة."
#وعليه، فإن مجرد ملامسة شيء – سواء كان جافاً أو رطباً – لا يعني انتقال النجاسة، ما لم تظهر تلك الصفات بشكل واضح، قد يبدو هذا صعب التصديق للعقل الوسواسي، لكن الانتقال حقيقة لا بد له من دليل ملموس، وأين هذا الدليل إذا لم يعد لأثر النجاسة وجود؟
#ومعنى "الوضوح" هنا : ان يظهر الأثر دون حاجة إلى تدقيق أو تأمل طويل. فبعض الإخوة – هداهم الله – يقف متأملاً الشيء لخمس دقائق أو أكثر، معيداً النظر مرات عديدة ليطمئن قلبه..
وهذا – بلا شك – من التنطع الذي لم يكلفنا الشرع به.. #فارحموا أنفسكم من هذا العذاب
#بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى أبعد مما يتصوره الموسوس: فحتى إذا انتقلت النجاسة بيقين وظهرت آثارها، ثم جفت واختفى أثرها تماماً من لون أو رائحة، فإنها تحكم بالطهارة #فقد جاء في فتوى معتمدة: "إن جفاف الفرش والأرض والملابس وغيرها يعد طهارةً لها، في حال إذا لم يبق للنجاسة أثر من لون أو طعم أو رائحة"
#ولنسهل الأمر أكثر: إن التجاهل التام للشكوك الوسواسية هو من أنجع العلاجات، فلا ينبغي للموسوس أن يتحقق ويتفتش كلما شك في نجاسة شيء، إذا كان لديك شك يسير في طهارة شيء، فلا تغسله، ولا تشرع في التحقق من لونه أو رائحته، بل امض في امرك وكأن شيئاً لم يكن..
#وتذكر: حتى لو أخطأت التقدير، فلا إثم عليك، فالله عز وجل عفو رحيم
#الفائدة ومايخلص مما سبق:
● الأصل في الأشياء الطهارة
● لا تحكم على شيء بالنجاسة إلا بيقين، واليقين يتحقق بظهور أوصاف النجاسة (اللون أو الرائحة)
● لا تبالغ في التدقيق والتأمل، فغلبة الظن كافية
● مقاومة وساوس الشيطان الذي قد يوهمك بروائح أو يخيل إليك بقعاً غير موجودة
● إذا بدأت بشك يسير في الطهارة، فامض ولا تتحقق
● مهما اشتد القلق، استمر في تجاهل الوسواس ولا تتراجع. قاوم بإصرار من أجل غاية ثمينة وهي #الشفاء بإذن الله
#ملامسة ما تجهل حاله : بين الواقع والوسواس
يمتد وسواس النجاسات ليشمل خوفاً من لمس أدوات الآخرين أو الأشياء خارج المنزل، بناءً على افتراضات وهمية لا أساس لها، مثل:
● "أخي لا يهتم بالطهارة، فلا شك أن أدواته نجسة"
● "لديهم أطفال، فلا بد أنهم نجسوا السجاد"
● "أمي ربما لم تغسل يديها جيداً، ويدها كانت رطبة فتنجست ونقلت النجاسة"
#أرجوك.. توقف عن هذه الفرضيات
#الصواب أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يثبت العكس وإثبات النجاسة لا يقوم على مجرد تخمينات، ولا يقتضي تحرياً ولا سؤالاً ولا تفتيشاً، بل إن هذا من التشديد على النفس الذي نهت عنه الشريعة.
#قصة معبرة:
روي عن الإمام ابن تيمية – رحمه الله – قصة عظيمة العبرة: "ثبت عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه مر هو وصاحب له بمكان، فسقط على صاحبه ماء من ميزاب، فنادى صاحبه: يا صاحب الميزاب، أَمَاؤُكَ طاهر أم نجس؟
فقال له عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبره، فإن هذا ليس عليه، فنهى عمر عن إخباره لأنه تكلف من السؤال ما لم يؤمر به"
#انظروا – رحمكم الله – إلى هذا الفقه العميق كيف أن عمر – الفاروق – منع صاحبه حتى من مجرد السؤال، مع وجود احتمال النجاسة! لأنه أدرك أن هذا الباب يؤدي إلى الوسوسة، وهو من التكلف الذي لم يأذن به الشرع.
#الفائدة ومايخلص مما سبق:
● الأصل في الأشياء الطهارة
● لا يحكم على شيء بالنجاسة إلا بظهور دلائل واضحة تميزها.
● لا تحري، لا تفتيش، لا سؤال عن أمور لم يكلفك الشرع بها
● تعامل مع الحياة بشكل طبيعي، ولا تحكم على شيء بالنجاسة لمجرد شكوك وسواسية
#تأملوا – بارك الله فيكم – هذه السماحة العظيمة في شريعتنا الغراء، التي تريد لنا اليسر ولا تريد بنا العسر
____________________________
•• مؤسسة الوسواس القهري ⚕️✨
#الوساوس