
17/09/2023
العقل من الكماليات!
الصورة ليست لبلدة في الريف الإنكليزي و لا هي لحديقة عامة .. بل لجزء من مستشفى متخصص بالأمراض النفسية و العقلية يقترب عمره من ١٩٤ سنة و يقع في مدينة لندن.
من الأمور التي اشتهر بها هذا المكان، أن المدير الثالث له الدكتور جون كونلي طبق أسلوب الإستغناء بشكل كامل عن القيود الميكانيكية التي كانت توضع للمرضى. و لما كانت النتائج مبهرة تم اتباع هذا النهج الجديد في التعامل مع المرضى في عموم إنجلترا.. بل و في أغلب دول العالم. و هذا المكان، و غيره، دليل مهم على الإهتمام الذي توليه دول كثيرة لصحة مواطنيها الجسدية و النفسية/العقلية.
و هذا يأخذني للحديث عن وضع الخدمات الصحية النفسية في العالم العربي. وهو للأسف لا يسر كثيراً. فمثلاً ، تبين إحدى الدراسات التي نشرت في العام ٢٠١٢ في الولايات المتحدة تحت عنوان: (Mental health services in the Arab world أي خدمات الصحة النفسية/العقلية في العالم العربي) بواسطة باحثين عرب بأن:
"من أصل عشرين دولة، وجد بأن ست دول ليس لديها تشريعات خاصة بالصحة النفسية/العقلية و لا توجد سياسة عامة للصحة النفسية/العقلية في دولتين أخريين. ووجد بأن لدى ثلاث دول و هي لبنان و الكويت و البحرين ما يزيد عن ٣٠ طبيباً مختصاً في الأمراض النفسية/العقلية لكل ١٠٠،٠٠٠ مواطن، بينما كان لدى دولتين أخريين هما الصومال و السودان ما يقل عن ٥ أطباء فقط لكل ١٠٠،٠٠٠ مواطن. تضيف الدراسة بأنه: " يتواجد العدد الأكبر من أطباء الاختصاص في الأمراض النفسية و العقلية في قطر و البحرين و الكويت بينما يقل عددهم لما دون ٠،٥ طبيب لكل ١٠٠،٠٠٠ مواطن في سبع دول هي العراق و ليبيا و المغرب و الصومال و السودان و سوريا و اليمن."
هذا النتائج صادمة، و هي برأيي لا تفسر كلياً بنقص الموارد و الفقر و لكن أيضاً لخلل واضح في الفهم الأساسي لأهمية هذا "العقل" للحضارة الإنسانية.
العقل هو الوظيفة التي يقوم بها العضو الدماغي و حجم قدراته عند الإنسان يتفوق على غيره من الكائنات. و تقوم حضارتنا الإنسانية_ بكامل عناصرها _على هذا العقل و قدراته الفريدة. و بدون العقل يصبح التقدم حلماً مستحيلاً. ولعل هذا ما يعكسه واقع أن الفارق بين حجم اهتمام الدول المتقدمة بصحة العقل يفوق بمراحل حجمه في العالم النامي.
و ربما أننا ركزنا كثيراً_في العالم العربي_ ونحن ننسج طبقات متشابكة من الخرافة و الأساطير حول الصحة العقلية للأسف_ بأن مقولة "العقل السليم في الجسم السليم" لا تكتمل و لا تستقيم بدون أن يكون عكسها أيضا صحيح فلا جسم سليم بلا عقل سليم.. وكأننا نسينا _في بعض دولنا على الأقل_ حتى أن نرسم تشريعات و سياسات للصحة النفسية/العقلية و كأن العقل غير موجود أصلاً لنعمل حسابه! أو ربما ظن البعض بأن الصحة النفسية/العقلية من الكماليات لا أكثر..
د محمد صويلح