ذكرت حلب في رقم ماري منذ 2850 ق.م. ودمرها ريموش الأكادي منتصف الألف 3 ق.م. ثم الحثيون أوائل الألف 2 ق.م. وتعاقب عليها الميتانيون والمصريون القدماء والبابليون والآشوريون والفرس. ودخلت منذ 330 ق.م في الدائرة الإغريقية, وأطلق عليها الإغريق تسمية /بيروا/ وقد أحبها الفيلسوف /أرسطو/. الذي كان يرافق جيوش الاسكندر وأقام فيها حتى تعافى من مرضه لأنه تأكد من طيب مناخها وصفائه. أعاد سلوقس نيكاتور بناء المدينة
وجدد القلعة واستخدمها مقراً عسكرياً. وأنشأ الشارع المستقيم في المدينة 312 ق.م, هذا الشارع الذي لا يزال موجوداً ويمتد من سوق الزرب شرقاً حتى باب انطاكية غرباً. وتتفرع عنه أسواق حلب المسقوفة وعددها 39 سوقاً.
استمرت علاقة حلب الوثيقة بأوربا خلال الفترة الرومانية التي بدأت 64 ق.م على يد /بومبيوس/. وأصبحت واحدة من المدن الهامة دينياً واقتصادياً بسبب موقعها الفريد.
وفي الفترة البيزنطية غدت حلب مركز أسقفية مسيحية كبرى. وبنت فيها هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين كاتدرائية عظمى هي اليوم المدرسة الحلوية. وقد تحولت من كاتدرائية إلى مدرسة ومسجد عام 1124م خلال حصار الصليبين لمدينة حلب.
ومنذ عام 636م تدخل حلب في العصور الإسلامية المتتابعة: أموي - عباسي - حمداني - سلجوقي - زنكي - أيوبي - مملوكي - عثماني.
خلال كل تلك العصور وآلاف السنين بقيت حلب تشكل المركز الاقتصادي العالمي الذي يربط بين القارات والمحيطات, وبقيت الطريق البري والدولي الذي تمر به تجارات الحرير والتوابل والمنسوجات والعطور. وهذا المركز المتميز تؤثر فيه عوامل كثيرة منها:
1- خصوبة الأراضي الزراعية.
2- الحجارة الكلسية التي تكسب الأبنية قوة وبقاء.
3- الموقع الاستراتيجي الحصين, وسهولة الحركة شرقاً وغرباً.
4- الاتصال بالأناضول والجزيرة العربية.
5- التنوع الحضاري والديموغرافي الذي عرفته المدينة خلال تاريخها.
6- المركز التجاري بين أوربا من جهة والشرق الأقصى من جهة أخرى.
ورغم الخلافات السياسية بين أوربا وبين الدول الإسلامية المتتابعة, فإن حلب بقيت مركزاً أساسياً للتجارة العالمية..
ورغم ضراوة الحروب الصليبية فقد شهدت حلب عام 1207م عقد اتفاقية تجارية مع دولة البندقية أيام الظاهر غازي الأيوبي وهي أول اتفاقية اقتصادية بين أوربا والمشرق العربي. وتجددت هذه الاتفاقية في الفترة المملوكية. وشملت بقية المدن الإيطالية إلى جانب البرتغال وأسبانيا وغيرها.
وخلال العهد العثماني الذي امتد أكثر من 400 سنة كانت حلب العاصمة الاقتصادية للدولة العثمانية الممتدة من الدانوب غرباً حتى العراق شرقاً وعلى كل الشمال الإفريقي والجزيرة العربية. ويشير المؤرخون إلى أن ما كان يباع في حلب في يوم واحد كان يحتاج إلى ثلاثة أشهر ليباع في القاهرة.
وقد عقد السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1535 اتفاقاً مع ملك فرنسا فرنسوا الأول أدى إلى تنشيط الجالية الفرنسية في حلب.
تضاعف حجم تجارة حلب خلال ربع قرن من الحكم العثماني عدة مرات وتوسعت الأسواق والخانات, وكثرت القنصليات والجاليات والبعثات التجارية الأوربية والعالمية. ويشير دارفيو قنصل فرنسا في حل¯¯ب 1680 إلى أن المدينة كان فيها أكثر من 75 قنصلية وممثلية تجارية في ذلك الوقت, وكان سكانها 300 ألف نسمة, وكانت مثالاً للتسامح وسعة الأفق وتعدد الطوائف والأعراق فيها. ومما يجدر ذكره أن مدينة حلب تضم 11 طائفة مسيحية لكل منها مطرانها وكنائسها, وتعيش جميعاً إلى جانب المسلمين بكل حرية وتسامح وتفاهم لأن الجميع مواطنون سواسية أمام القانون.
تلقت حلب ضربة كبرى بافتتاح قناة السويس 1869 الذي حول طريق التجارة العالمي إلى طريق بحري. وفقدت حلب 93% من تجارتها.
استقبلت حلب منذ القرن الثالث عشر الإرساليات الفرنسيسكانية والكبوشية والكرملية واليسوعية. وإذا استعرضنا مذكرات وكتابات الرحالة والقناصل والتجار الأوربيين الذين زاروا حلب أو أقاموا فيها لرأيناها بالمئات, ومن أهم الذين تحدثوا عنها:
شكسبير - لامارتين - برودويل - فوستر - ماسون - لومانس - دي راولف - دارفيو - فولني - داندولو - رامبلز - جون دافيد - لورنس - جرنرودبل.
وتركز هذه المذكرات على دور حلب التجاري وتصفها بأنها:
- أثينا الآسيوية.
- لندن الصغيرة.
- باريس الصغيرة.
- أجمل مدن السلطنة وأنظفها.
- حلب تفضل القاهرة.
- حلب قلعة الشرق.
- الحلبيون أحسن شعوب الممالك العثمانية.
- حلب بوابة آسيا.
4- أجمل ما قيل في قلعة حلب:
زار قلعة حلب خلال العصور المتلاحقة عدد كبير من الرحالة, وقيل فيها الكثير من الشعر, وهذه أمثلة مما قيل في القلعة:
قال الخالدي شاعر سيف الدولة:
وخرقاء قد تاهت على من يرومها
برمقبها العالي وجانبها الصعب
يزر عليها الجو حيب غمامة
ويلبسها عقداً بأنجمه الشهب
إذا ما سرى برق بدت من خلاله
كما لاحت العذراء من خلل السحب
قال ابن الزكي يهنىء صلاح الدين بفتحه القلعة ويبشره بفتح بيت المقدس:
وفتحك القلعة الشهباء في صفر
مبشر بفتوح القدس في رجب
وكان الرحالة ابن جبير قد زارها وقال فيها :
/ولها قلعة شهيرة الامتناع بائنة الارتفاع, معدومة الشبه والنظير بين القلاع, تنزهت حصانة أن ترام أو تستطاع/.
وزارها ابن بطوطة خلال رحلته فقال فيها:
/وقلعة حلب وبداخلها جُبان ينبع منهما الماء فلا تخاف الظمأ, ويطيف بها سور وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء, وسورها متداني الأبراج قد انتظمت بها المعالي العجيبة المفتحة الطيقان, وكل برج منها مسكون والطعام لا يتغير بهذه القلعة على طول العهد.../
وقد عدّها البيروني من عجائب الدنيا الثلاث, وتحدث عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان بإعجاب كبير.
وتحدث عنها من الرحالة والزوار الأجانب كل من:
-دارفيو الفرنسي قنصل فرنسا في حل¯ب 1679- 1686.
-بوكوك الإنكليزي.
-روسو الفرنسي.
-الأخوان رسل الإنكليزيان.
-سوبر نهايم.
-هزر فلد.
-فان برشم.
-سوفاحييه.
-بلوادي روترو.
وفي العصر الحديث تغنى بها كثير من الشعراء, منهم عبد الله يوركي حلاق في قوله:
شاخ الزمان وقلعة الشهباء ظلت في صباها
ربضت على التل الأشم فروعت أعتى عتاها
سئل الزمان بمن تباهي, قال بالشهبا وتاها