08/06/2025
الأركيلة: وباء اجتماعي وصحي صامت يفتك بالمجتمع
خلال زيارات ميدانية لمناطق مختلفة في سوريا، لم يكن المشهد غريبًا فقط، بل صادمًا: انتشار الأركيلة (الشيشة) لم يعد مقتصرًا على فئة عمرية معينة أو طبقة اجتماعية محددة. شباب، شابات، نساء، بل وحتى أطفال، يدخنون الأركيلة بشكل يومي، كعادة ترفيهية أصبحت جزءًا من المشهد اليومي في البيوت والمقاهي والحدائق العامة.
هذه الظاهرة التي بدأت كتقليد اجتماعي باتت اليوم تشكّل أزمة صحية حقيقية، تتطلب وقفة جادة من المجتمع، والأهم من ذلك، من الكوادر الطبية والجهات الصحية الرسمية.
أولًا: الأركيلة ليست “أخف ضررًا” من السجائر
يعتقد الكثيرون أن مرور الدخان عبر الماء يفلتره من المواد السامة، وهذا اعتقاد خاطئ تمامًا. الدراسات الحديثة تؤكد أن جلسة أركيلة واحدة (تدوم ساعة تقريبًا) قد تعادل تدخين من 20 إلى 100 سيجارة من حيث كمية النيكوتين وأول أكسيد الكربون والمعادن الثقيلة المستنشقة.
مكونات دخان الأركيلة تشمل:
• النيكوتين (المسبب للإدمان)
• القطران
• أول أكسيد الكربون
• المعادن الثقيلة (كالزرنيخ والرصاص)
• مركبات مسببة للسرطان (Carcinogens)
ثانيًا: أضرار الأركيلة على الصحة
1. الرئة والجهاز التنفسي: تسبب الأركيلة التهابات مزمنة في القصبات الهوائية، وتزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الرئة وأمراض الانسداد الرئوي المزمن (COPD).
2. القلب والأوعية الدموية: تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وزيادة خطر الجلطات القلبية والدماغية.
3. الصحة الفموية: تزيد من احتمال الإصابة بسرطان الفم واللثة وتؤدي إلى تراجع الأسنان.
4. الخصوبة والحمل: تؤثر سلبًا على الخصوبة لدى الجنسين، وترتبط بزيادة خطر الإجهاض وتشوهات الجنين لدى النساء الحوامل.
5. نقل العدوى: المشاركة في نفس خرطوم الأركيلة يمكن أن ينقل أمراضًا معدية مثل السل، الهربس، والفيروسات التنفسية.
ثالثًا: ظاهرة اجتماعية تتطلب استجابة مجتمعية
انتشار الأركيلة بين الأطفال والمراهقين يشكّل كارثة صحية قادمة. غياب الرقابة في المقاهي، وسهولة الحصول على الأركيلة المنكهة بطعوم مغرية، يؤدي إلى إدمان مبكر في عمر الطفولة، ما يفتح الباب لعواقب صحية خطيرة مستقبلاً.
رابعًا: ما هو دورنا كأطباء؟
• التثقيف المجتمعي: يجب أن نكون في طليعة التوعية، عبر المحاضرات، ووسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي.
• إدماج التوعية في العيادات: التحدث مع المرضى مباشرة عن مضار الأركيلة، وطرح بدائل للإقلاع.
• الدعم النفسي والطبي: تأسيس عيادات للإقلاع عن التدخين تشمل الأركيلة، تقدم دعمًا دوائيًا وسلوكيًا.
• المناصرة القانونية: الضغط على الجهات التشريعية لتفعيل قوانين منع التدخين في الأماكن العامة، كما هو في اورباوفرض قيود على بيع وتقديم الأركيلة للقاصرين. وهذا ماشاهدناه في الفيديو القصير من مدينة حماه حيث شاهد محافظ حماه بام عينه أطفالا يشربون الاركيله
في الختام :
لم تعد الأركيلة مجرد عادة اجتماعية، بل تحوّلت إلى وباء مزمن يهدد الصحة العامة ويستنزف الموارد الصحية في المستقبل. التصدي لهذه الظاهرة يتطلب تعاونًا وطنيًا شاملاً، يبدأ من الوعي الفردي، ويمر بالمؤسسات الصحية والتعليمية، وينتهي بتشريعات صارمة تضع حدًا لهذا الخطر المتنامي
د. تمام كيلاني