06/07/2025
حول رمزية النجوم وتوزيع المكونات في الهوية الوطنية السورية
مع كامل الاحترام والتقدير لجميع المكونات السورية، فإن أي حديث عن رموز تمثّل التعددية المجتمعية في سوريا، سواء في العلم أو في الخطاب السياسي، لا بد أن يكون منسجمًا مع الحقائق الديموغرافية، والتاريخ الاجتماعي، ودور المكونات المختلفة في تشكيل الهوية الوطنية.
إذا كانت النجوم الثلاث في العلم السوري تُفسّر أحيانًا بأنها ترمز إلى مكونات المجتمع، فإن ترتيب هذه المكونات يجب أن يُبنى على معايير دقيقة، وفي مقدّمتها الحجم السكاني، الامتداد الجغرافي، والمشاركة الفاعلة في المحطات الوطنية الكبرى، وعلى رأسها الثورة السورية. وفي هذا السياق، تأتي المكوّنية التركمانية باعتبارها ثاني أكبر مكون وطني بعد العرب من حيث العدد والانتشار، متقدمة من حيث الكتلة السكانية على الأشقاء الشركس والأرمن والكرد وغيرهم من المكونات الأصيلة في سوريا.
تشير دراسات ديموغرافية متعددة، منها ما أعدّه مركز الدراسات الإستراتيجية في أنقرة (ORSAM)، وكذلك أبحاث مستقلة نشرت في دوريات دولية، إلى أن عدد التركمان في سوريا يتجاوز الثلاثة ملايين نسمة، يعيشون في أكثر من 500 قرية وبلدة موزّعة في مختلف أنحاء البلاد، من درعا جنوبًا إلى حلب وباير بوجاق شمالًا، ومن ريف دمشق إلى حمص وحماة واللاذقية[^1][^2]. في المقابل، تشير معظم التقديرات الأكاديمية إلى أن عدد الإخوة الشركس في سوريا يتراوح بين 40 و50 ألف نسمة، في حين يبلغ عدد الأرمن نحو 60 ألفًا، بحسب إحصاءات المجلس الوطني الأرمني السوري ومصادر مستقلة[^3][^4].
لكن المسألة لا تقتصر فقط على الأعداد، بل تتعداها إلى الدور الوطني والتاريخي. فللتركمان في سوريا تاريخ طويل من النضال، سواء في مواجهة الاستعمار الفرنسي أو في دعم الحركات الوطنية، وقد تجلى هذا الدور بوضوح في ثورة الحرية والكرامة التي اندلعت عام 2011، حيث برزت الكوادر التركمانية في الصفوف الأولى للثوار، وشارك أبناؤهم في مختلف جبهات القتال. ومن أبرز الرموز الوطنية التي خلدها التاريخ السوري المعاصر، القائد الشهيد عبد القادر صالح (حج مارع)، أحد القادة البارزين في معركة تحرير حلب، والذي أصبح رمزًا للتضحية والوحدة الوطنية بين مختلف مكونات الثورة[^5].
إن إغفال هذه الحقيقة الديموغرافية والسياسية يُعدّ ظلمًا تاريخيًا، ومحاولة لتقزيم مكوّن وطني أثبت حضوره في جميع مراحل الصراع. وعليه، فإن أي تصور للهوية الوطنية السورية الجامعة، أو لأي رمزية تمثيلية، يجب أن يعكس بدقة الواقع المركب والمتعدد للمجتمع السوري، بما في ذلك الاعتراف بمكانة التركمان كقوة شعبية وسياسية وثقافية أصيلة في هذا الوطن.
الدكتور مختار فاتح
الهوامش والمراجع:
[^1]: ORSAM Report No. 83: “The Situation of Syrian Turkmens”, Center for Middle Eastern Strategic Studies (ORSAM), 2013.
[^2]: Mehmet Tütüncü, Suriye Türkmenleri: Tarih, Kültür ve Kimlik, İstanbul, 2016.
[^3]: Mohamad Hassan Khalil, The Circassians in Syria: Demographic Study and Historical Perspective, Journal of Ethnic Studies, Vol. 21, 2017.
[^4]: Armenian National Council of Syria, Annual Demographic Report, Damascus, 2010.
[^5]: شهادات ميدانية، وتقارير الثورة السورية، منها: قصة القائد عبد القادر صالح، رمز الثورة السورية، مركز حلب الإعلامي، 2014.