10/06/2025                                                                            
                                    
                                                                            
                                            https://www.facebook.com/share/p/1Ax9o4uoHn/                                        
                                    
                                                                        
                                        مهدان... وطريقان
في ليلةٍ شتوية من شهر ديسمبر ، انطلقت صرختان من جناح الولادة في مستشفى "االحياه"  في صعيد مصر — الأولى لرضيعٍ وُلد في حضن عائلة مسلمة محافظة، والثانية لطفل في عائلة مسيحية متدينة. تقاربت الصرخات... ثم افترقت الأقدار.
في لحظة ارتباك، ومناوبة مزدحمة، تمّ تبديل الأساور الطبية على معصمي الطفلين. لم يلاحظ أحد. تم ضمّ "آدم نادر" إلى أحضان   عائله يونس، و"جواد يونس" إلى حضن عائله نادر، في خطأ لم يكن لأحد أن يتخيّله.
كبر الطفلان في عالمين متوازيين:
آدم صام رمضان، حفظ القرآن، ورافق والده إلى صلاة الجمعة،
وجواد تعمّد في الكنيسة، ترعرع بين الترانيم، وتناول القربان في قداس الأحد.
لكن شيئًا في قلبيهما كان دائمًا ناقصًا. كلٌ منهما شعر، دون أن يدري، بأنه لا ينتمي تمامًا.
في السابعة عشرة، التقى الاثنان صدفةً في قاعة الانتظار في نفس المستشفى، حيث جاءت كلٌّ من العائلتين لفحوصات روتينية. تبادلا الحديث. شعر كلٌّ منهما بانجذابٍ غريبٍ نحو الآخر... لا صداقة، بل شيء أعمق، كأن القلب تعرّف قبل العقل.
بعد أيام، جاءت المكالمة الصادمة: "هناك خلل في فصيلة الدم لا يتطابق مع العائلة."
تبع ذلك فحوص حمض نووي وسجلات المواليد، فجاءت الحقيقة كصفعة: كل واحد منهما تربى في بيت غير بيته.
عمّ الصمت، ثم الحزن، ثم... الارتباك. لكن شيئًا في داخلهما لم يتكسّر، بل اشتعل:
"من أكون؟"
"هل أنا المسلم الذي تربّى على الإسلام؟ أم المسيحي الذي وُلد لأبوين مسيحيين؟"
في الأيام التالية، بدأ الشابان رحلة بحث مشتركة. قرأ كلٌ منهما في الكتب المقدسة: القرآن، الإنجيل، التفاسير، السير، التواريخ.
تحادثا، تناقشا، تشاجرا، وبكيا. زارا المساجد والكنائس. سألوا العلماء والكهنة.
قال آدم ذات يوم:
"كنت أعتقد أن الإيمان ما يرثه الإنسان. الآن أفهم أنه ما يختاره بقلبه."
أجاب جواد:
"ولأول مرة، لا أبحث عن 'الصواب' لأرضي أحدًا... بل لأعرف من أنا."
في نهاية الرحلة، اتخذ كل منهما قراره — لكن القصة لا تخبرنا من اختار ماذا. لأن الجواب ليس هو المغزى.
المغزى كان أن كلاهما لم يبقَ حبيس خطأ الطبيعة أو المستشفى أو حتى العائلة.
بل اختار دينه عن وعي، بحث، محبة، وحرية.
وفي عيد الميلاد و عيد الاضحي، يجلس جواد وآدم، وأهلهما الأربعة، حول مائدة واحدة.
يصلّى كلٌّ بطريقته، ويبتسم للآخر. لم يكن هناك "صح وخطأ"، بل صدق وصدق آخر.
د.احمد صالح 2025