23/06/2025
الفكرة المركزية لفرويد كانت وما زالت: الرغبة المكبوتة في اللاشعور، والكبت هو أصل المرض، والتحرر هو طريق الشفاء.
بالنسبة للمعالج النفسي خصوصاً التحليلي،أحيانًا هذا التصور لا يبقى محصورًا في العيادة ، بل يتسرّب إلى رؤية الإنسان للدين، والسلوك، والأخلاق، والفن، والمجتمع، والمعنى كله.
فنسمع اليوم خطابًا نفسيًا يقول:
( الحجاب مش هو المهم، المهم إن القلب يكون نقي.
النية أصدق من السلوك، والمظهر مش معيار.
الدين جوهر، واللبس حرية شخصية، وربنا مش هيحاسب على الشكل)
وهذا كله – رغم لطف عباراته – يحمل في داخله منطقًا فرويديًا خالصًا: أن الضوابط الظاهرة = قمع، وأن التكاليف الشرعية = شكل بلا روح، وأن التعبير عن الذات كما هي = أعلى درجات الصدق.
لكن الحقيقة التي يغفلها هذا الخطاب أن الحجاب فريضة شرعية، وليس مجرد شكل تراثي.
وأن المظهر لا ينفصل عن الجوهر، بل يُعبّر عنه، ويربيه، ويحميه.
وأن الدين وُضع ليُهذّب النفس، لا ليُطلق لها العنان بحجة النية أو الصدق أو المشاعر.
وليس ذلك فقط، بل نرى إعجابًا زائدًا من بعض المعالجين التحليليين بالفنانين والممثلات، ومدحًا لما يسمونه "صدقهم الداخلي"، أو "جمال تعبيرهم عن الذات"، مع تجاهل شبه تام لما في هذا الوسط من مخالفات شرعية واضحة:
تبرج، عري، كلمات ساقطة، علاقات محرمة، تطبيع للمنكر.
ثم نُفاجأ أن الخطاب النفسي هذا يُعجب الفنانين ويوافق هواهم، لأنه ببساطة يقول لهم:
عبّروا عن أنفسكم كما أنتم، لا ذنب فيما تفعلوه، ولا لوم فيه، المهم أن تكونوا صادقين مع ذواتكم.
لكن أليس هذا هو عين تحرير الهوى الذي نهى الله عنه تحت شعار التحرر النفسي؟
أليس هذا هو تزكية الرغبة المحرمة في صورة فهم واحتواء؟
أليس المعالج الذي يُفترض أن يُعلّم الناس التوازن والانضباط، قد وقع هو نفسه في فخ الهوى الذي درسه؟
بل أليس هذا هو أرقى أشكال الإسقاط النفسي والتبرير العقلي؟ وهو ما يسميه التحليل النفسي نفسه بـ"الآليات الدفاعية"!
فهل يُعقل أن يقع المعالج ضحيةً لما يُفترض أنه يعالجه؟
أقول هذا لا طعنًا في أحد، ولا تعميمًا، بل لأجل تنبيه صادق أن كثيرًا من الأفكار التي نظنها وعيًا، قد تكون تماهيًا خفيًا مع مدرسة نفسية غربية، تجعل من الرغبة إلهًا، ومن الكبت شيطانًا، ومن الشريعة قيدًا، ومن التحرر خلاصًا.
وظيفة المعالج الحق، ليست أن يُحرر الإنسان من كل قيد، بل أن يُحرره من هوى النفس إلى هدى الوحي،
وأن يضع النفس في موضعها: تُفهم، وتُحتضن، لكن لا تُتّبع في كل ما تطلب.
فليس كل ما ترغب به النفس حقًا، وليس كل من عبّر عن ذاته صادقًا، وليس كل تحرر شفاء.
اللهم ارزقنا البصيرة، واملأ قلوبنا بالهدى، ووفقنا لعلم لا يضلنا، ورحمة لا تدفعنا إلى الغفلة، وفهم لا يفتننا عن الحق.