11/07/2025
الأسرار بين الزوجين : ما يقال ومالا يقال
يعتقد كثير من الناس أن السعادة الزوجية ﻻتتم إﻻ بالمصارحة الكاملة والمطلقة بين الزوجين بحيث يصبح كل طرف كتاب مفتوح بالنسبة للآخر ، ويعتقدون أن الثقة بينهما ﻻتكون كاملة إﻻ إذا وصلا إلى هذه الحالة. ومن المعروف أن من أساسيات السعادة الزوجية التواصل الواضح والصريح ، ولكن هناك آراء أخرى مبنية على دراسات علمية وتجارب حياتية تفيد بأن المصارحة المطلقة بكل اﻷسرار قد تشقي الطرف اﻵخر وقد تهدم العلاقة الزوجية. وهناك أزواج عاشوا مع بعضهم سنوات طويلة واحتفظ كل منهم ببعض أسراره ، وهذا يعني أن الحياة الزوجية تعتمد كثيرا في نجاحها على التفاعل الجسدي والعقلي والوجداني والروحي ، وﻻ تحتاج الإفصاح عن كل اﻷسرار كشرط لنجاحها .
الكهوف المغلقة في حياتنا الشخصية :
وفي حياة الأزواج هناك بعض المناطق التي تعتبر حرما شخصيا مقدسا ﻻ يحبون أن يقترب منه أحد حتى ولو كان شريك الحياة , وهذه المناطق هي محل اﻷسرار شديدة الحساسية والخصوصية ونذكر منها :
1 - العلاقات خاج إطار الزواج : سواء كانت عاطفية أم جنسية ، في الماضي أو في الحاضر ( وإن كانت خطورتها تزداد كلما كانت جنسية وكلما كانت في الحاضر ) . وقد تؤذي معرفة هذه العلاقات الطرف اﻵخر وقد تجعل الطرف المتورط يعيش حياة مزدوجة ، ومن هنا قد يقول البعض : ولم ﻻيصارح بها شريكه فربما تكون هذه المصارحة بداية لإصلاح خلل موجود في العلاقة الزوجية ؟ .. والإجابة هنا تتوقف على : كيف نقول ومتى وأين. ... وما التداعيات المتوقعة.؟ وهل هناك عوامل استقرار وأمان كافية في العلاقة الزوجية تجعلها تحتمل إفشاء مثل هذا السر ؟
2 - الخيالات والأحلام العاطفية والجنسية : فكل إنسان يعيش خيالات وأحلام (يقظة ومنام) يفعل فيها مايريد وبالطريقة التي تعجبه , ويعوض فيها ما ينقصه , ويشبع فيها حرماناته ويحقق رغباته , وقد يطلق لنزواته العنان , فهل هذا خيانة للطرف الآخر ؟ .. وهل من حقه أو من حقها معرفة هذه الخيلات والأحلام ؟ .. وهل هذه المعرفة تفيد استمرار العلاقة الزوجية وتقويها أم تضعفها وقد تنهيها ؟ .
3 – التحرشات الجنسية التي حدثت في مراحل العمر المختلفة خاصة إذا كانت قد صدرت من أحد المعارف أو الأصدقاء أو الأقارب , أو ممن هم مازالوا موجودين في محيط العائلة .
4 – ممارسة العادة السرية : حيث يظل بعض الأزواج (والزوجات) يمارسون تلك العادة حتى بعد الزواج , بل وقد يجدها بعضهم أكثر إمتاعا من العلاقة الزوجية .
5 – مشاهدة الأفلام الجنسية على الإنترنت أو على القنوات الفضائية : وهذه أزمة عصرية كبيرة إذ كثيرا ماتكتشف الزوجة أن زوجها يقضي أوقاتا طويلة يشاهد تلك الأفلام خلسة , وهنا تهتز صورته في عينيها وتتدهور العلاقة الزوجية . وبعض الأزواج لديهم حالة إدمان مشاهدة تلك المواقع , فهل ياترى يفيد أن يخبر زوجته ؟ .. وهل ستقبل هذا الأمر وتساعده ؟ .. أم تستغل ذلك ضده في أي مواجهة عائلية ؟
6 – الضعف أو البرود الجنسي : فبعض الرجال يعانون ضعفا جنسيا مؤقتا أو مزمنا ويتعاطون المنشطات الجنسية سرا حتى لا تهتز صورتهم أمام زوجاتهم , وأيضا بعض النساء لديهن عدم رغبة في العلاقة الجنسية , أو حتى برود جنسي ولكنهن يمارسنها كأداء واجب (زوجي أو شرعي) وربما يتظاهرن بالإستجابة والإستمتاع إرضاءا للطرف الآخر . فهل هذا مقبول أن يبقى سرا وتسير الأمور كما هي , أم أن المصلحة الإفصاح عنه طلبا للمساعدة في إيجاد حلول حقيقية ؟
7 – التصرفات السيئة في الماضي : فلا شك أن كثيرين قد تورطوا في فترات الطفولة والمراهقة وبواكير الشباب في أعمال منافية للأخلاق أو خارجة عن القانون أو مخالفة للعادات والتقاليد . فإذا كان الشخص قد تجاوزها , ولم يعد لها تأثير على حاضره فلم يذكرها الآن ؟ . البعض يقول : إننا نخاف أن يعرفها عنا الشريك من مصدر آخر .. والإجابة : حتى لو عرفها الشريك فلا ضير من الإعتراف بأن ذلك كان في فترة جهل الطفولة واندفاع المراهقة والشباب , وأننا تجاوزنا كل ذلك مع النضج النفسي والإجتماعي . ولا يصح أن تبقى هذه الأشياء سيفا مسلطا على رقابنا طول العمر , وحتى لو بقي من هذه الأشياء أدلة مادية تديننا فلا يجب أن نخضع لابتزاز من يملك تلك الأدلة , وعلينا أن نعلن شجاعتنا في المواجهة مستندين إلى عناصر قوة حالية لدينا .
8 – الموقف المالي والديون : ربما لا يود بعض الأزواج إطلاع زوجاتهم على أحوالهم المادية ومدخراتهم ومشروعاتهم أو ديونهم وتعثراتهم . وهنا تشعر الزوجة بأن زوجها لا يثق فيها أو أنه لا يشعر بالأمان معها , أو أنه يخفي ذلك لأن له حياة أخرى لا تعلمها .
9 – الأمراض , خاصة الوراثية منها : ويخفيها الناس خوفا من قلق وهجر الطرف الآخر , ولكنها إن كانت أمراضا خطيرة أو مؤثرة في الحياة الزوجية يجب الإفصاح عنها حتى لا يكون هذا تدليسا على الزوج أو الزوجة وحتى يستعد الطرف الآخر لمواجهة وتحمل تطورات المرض ومضاعفاته .
10 – اضطرابات الأكل : فكثير ممن لديهم (أو لديهن) شراهة في الطعام يفعلون ذلك سرا خوفا من لوم ونقد الطرف الآخر .
11 – أسرار عائلة المنشأ لكلا الزوجين خاصة إذا كان فيها مايشين .
نسبة ما يقال ومالايقال من الأسرار :
أجريت دراسة علمية في ألمانيا على مجموعة من النساء لمعرفة نسبة الأسرار التي يفصحن عنها والأسرار التي يحتفظن بها فوجد أن هناك 10% من الأسرار تحتفظ بها المرأة بشكل مطلق ولا تبوح بها لأحد مهما كان , بينما تستطيع أن تبوح ب 60% من أسرارها لزوجها أو أمها أو أختها أو صديقتها القريبة . وقد تختلف هذه النسب من امرأة لأخرى , وتختلف بالطبع بين الرجال والنساء , فالنساء أكثر إفصاحا ولذلك قيل "إن السر سم في فم المرأة لو ابتلعته قتلها" , ولكن النتيجة النهائية هي أن ثمة أشياء تقال وأشياء أخرى لاتقال .
ونستكمل معكم الملف في لقاء قادم إن شاء الله ولكم جزيل الشكر على اهتمامكم
دكتور / محمد المهدي