26/09/2025
كنتُ طالبًا متفوّقًا في الدراسة ✍️، من أسرة متوسّطة الحال. التحقتُ بالمدرسة الحكومية 🏫، وكانت في ذلك الوقت هي المدارس الرصينة القويّة المتينة، بينما كانت المدرسة الخاصة تُعَدّ خيارًا للطلاب غير الحريصين على التعليم أو غير المهتمين به.
كانت المستويات المادية بين الطلاب متقاربة إلى حدٍّ كبير، فلا فروق واسعة ولا طبقات متباعدة.
كان اللانش بوكس عبارة عن كيسه سمرا 😂 بها نصفي رغيف بلدي محشو بالفول أو الجبن البيضاء. أما من هو أفضل حالًا قليلًا فقد يأتي ببيضتين مسلوقين 🥚 في رغيفين فينو ..في حين كان أبناء الأسر الميسورة يستخدمون العيش الفينو بالسمسم المحشو بقطع من الجبن الرومي أو البيض بالبسطرمة.
الشراء الإضافي من الكانتين كان علامة واضحة على الثراء الفاحش، وكأنها رسالة غير منطوقة بأن والد هذا الطالب يعمل في الكويت أو العراق، وأن هذة الأسرة تمتلك سيارة لادا أو فيات 🚗 و مروحة "بوكس" ثلاث درجات، وأتاري 🎮 مصحوب بشريط ٦٤ لعبه، وجهاز فيديو لمشاهدة أفلام الفيديو الإيجار من أنديه افلام الفيديو.
وغالبا كان هذا الطالب يملك كورة كفر ماركة
mikasa ⚽ و التي تؤهله لتسيد الموقف في حصة الألعاب، فهو كابتن الفريق و مدربه و حكم المباراه و رئيس لجنة المسابقات في آن واحد و الوحيد القادر علي إنهاء المباراة في أي لحظه حينما يقرر ذلك و يسحب الكرة في لحظة غضب أو انفعال ملعب.
حتى في تغليف الكراسات والكتب، كانت تظهر بعض الفوارق: فالبعض يختار الجلاد الورقي البسيط والتيكت العادي، بينما كان الميسورون يغلّفون كتبهم بالبلاستيك الملوّن ويضعون تيكت بلاستيكي لامع ✨، رمزًا آخر للثراء الفاحش في ذلك الوقت.
وكانت الدروس الخصوصية متاحة لعدد محدود من طلبة الفصل. وإذا كان مُعلّم الدرس الخصوصي هو نفسه مُعلّم الفصل، كانوا طبعا يتمتّعون بالقرب من المدرّس، الذي يحفظ أسماءهم عن ظهر قلب ويتبادل معهم الدعابات داخل الفصل، وغالبًا ما تتصل هذه الدعابات بحصص الدروس الخصوصية التي كانت تُعقد في بيت المدرّس.
كل هذه الذكريات لا أستحضرها لمجرد النوستالجيا، وإنما كفكرة فلسفية طالما أرّقتني: كلما تقدّم الزمن ومرت العقود تغيّر تعريف الإنسان للنعمة. في الماضي كان بيضة مسلوقة في رغيف 🍞 هو العادي. أما الآن فقد صار "اللانش بوكس" المليء بأنواع مختلفة من الأطعمة هو العادي.
كان التليفون الأرضي زمان هو العادي و خدمة المباشر للمحافظات من علامات الاقطاع
دلوقتي صار وجود الهاتف المحمول 📱 في يد طالب الابتدائي أمرًا بديهيًا و منطقيا.
وتقودني الأفكار تباعا إلى تأمل أعمق: جحود الإنسان.
و "قتل الإنسان ما أكفره"☝️
فعلا البني آدم غريب جدا؛ paradoxically كلما كثرت نعمُه زاد شعوره بالنقص، وكلما ارتفع مستوى الرفاهية قل مستوي الرضا.
وتدريجيا بنموت جوانا ذلك البسيط القانع، لنُنشئ مكانه وحش كاسر لا يشبع ولا يكتفي و لا يرضي.
هنا يظهر سؤال مهم: ما هو تعريف النعمة؟ وما هو "بيزك النعمة"؟ يعني ايه هو الحد الادني من النعمه.
الإجابة في حديث النبي ﷺ: «من أصبح منكم آمنًا في سِربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
بدايه من المستوي ده و طالع بنبدأ: "ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم"
لا تنسوا وسط سباق التطلع المحموم
ان تذكروا النعمه و تحمدوا المنعم