17/03/2025
من أصعب المواقف إللى شوفتها لما كنت طبيب مقيم,
من ١٨ سنة
كانت حالة طفل عنده 4 سنين;
الطفل كان عنده ورم فى المخ, إتحجز فى المستشفى مع أبوه علشان نعمله عملية لإستئصال الورم،
الجراحة كانت مفروض تتعمل خلال أسبوع, لكن بسبب عدم وجود سرير عناية مركزة فاضى, إضطرينا ننتظر شهر ...
بعد محاولات و خناقات، العملية إتعملت, و الورم إتشال كله، الطفل دخل العناية , يومين و فاق و طلع القسم الداخلى، و حالته كانت مستقرة جداً.
تشوف أبو الطفل بعد العملية, تحس كأنه فى فرح وإبنه بيتجوز,
بهجة و سعادة غريبة, و شُكر لكل واحد يشوفوا من أصغر عامل فى القسم لأكبر أستاذ.........
لكن للأسف !!
الفرحة دى مطولتش,,,,,
بعد كام يوم الولد إبتدا يفقد الوعى, عملنا فحوصاتنا لقينا أعراض إستسقاء فى المخ, و دى من المضاعفات المشهورة فى النوع ده من الجراحات,
و ساعتها بدأنا طريق المعاناة...........
عملنا للطفل عملية تانية لتركيب صمام خارجي بالمخ,
يومين و لقينا درجة حرارة الطفل بتزيد,
عملنا تحاليل, إكتشفنا وجود عدوى فى السائل النخاعى,
شوية شوية, العدوى بتزيد, و حالة الطفل بتسوء.....
والد الطفل مكانش مُستوعب إللى بيحصل, و كان عنده إصرار غريب إن إبنه حيعدى كل ده......
كل ما يشوف حد مننا يسأله و يستفسر منه........
مكنش بيسمع مننا التفاصيل.....
كان كل إللى عايز يسمعه هو إن إبنه كويس , و إنه حيقوم بعد يومين يلعب معاه,
مستنى أى كلمة تديله أمل....
الأب كان حرفيا عايش فى حلم منفصل عن الواقع.........
علاج الحالة تطلب نوع معين من المضاد الحيوى, مكنش موجود فى المستشفى, و التأمين الصحى مش بيتحمله, و كان والده بيشتريه على حسابه الشخصى, ب ١٦٠ جنيه فى اليوم,
و لا مرة الراجل قالنا إنه معهوش فلوس,
و لا مرة إشتكى....
بالعكس,
كان بيوفر الدوا اول بأول, كان بس بيسألنى محاجين كام علبة علشان يقول للصيدلى على العدد.
بعد كام يوم
لقيت الراجل إختفى, و التمريض بلغني إن الطفل مخدش المضاد الحيوى النهاردة لأن أبوه مجاش ؟؟؟
خربت الدنيا...
و اول ما شوفت الراجل إتخانقت معاه, كنت فاكره بيدلع و إنه مش مقدر خطورة الحالة,
فجاءة,
لقيت الراجل بينهار قدامى,
شوفته لاول مرة من يوم حجز الطفل بيبكى.....
كأنه جبل ووقع مرة واحدة........
إدانى علبة واحدة من المضاد الحيوى, و قالى والله أنا مبقاش فى بيتى حاجة علشان أبيعها,
و إنه راح مسجد يطلب منهم فلوس صدقة,
بس معرفش يوفر غير تمن علبة واحدة بس, فى الوقت إللى كنا محتاجين فيه 4 علب على الأقل..
و دخل نام جنب الطفل و هو بيعيط.....
انا سيبته من غير ما اتكلم,
كنت مصدوم,
مكنتش متصور إن الدنيا ممكن تكون قاسية كده,
و بعدها, متكلمناش مع بعض خالص,
حتى مبصتش فى وشه, و لا هو كان بيبص فى وشنا أو يسألنا عن حاجة........
بغض النظر إني بعدها مسكتش و إتصرفت, و ناس ولاد حلال جابولى الدوا المطلوب, لكن طبعاً بعد فترة من التوقف.....
فضلنا كده كام يوم, لغاية ما الطفل بدأ يحتضر,
و انا باعمله محاولات إنعاش للقلب, و بضغط على صدره جامد, كان الراجل بيحاول يزقنى علشان موجعش الولد,
فى الحالات دى عادة كنت بأطلع الأهل برة الغرفة...
بس معرفش ليه المرة دى سيبتوا و مخرجتوش,
سيبتوا حتى و هو بيزعق فيا و يقولى بالراحة ........
و فضلت فى محاولات الإنعاش وقت أطول من الطبيعى, مع إنى عارف إن مفيش أمل......
يمكن كنت عايز اثبت قدامه إنى مقصرتش فى حق الولد.....
أو يمكن كنت عايز أثبت لنفسى إنى مش مُقصِر...
الله أعلم.
بعدها,
الراجل قالي جملة واحدة بس و هو بياخد منى تقرير الوفاة..........
قال:
أنا إبنى مماتش النهاردة يا دكتور, إبنى مات اليوم إللى معرفتش أجيبلوا فيه الدوا.
و مشي وسابنى...............
و مكانش آخر واحد, للأسف !!!!
علشان كده، لازم ندور على الناس دي و نطلع لهم صدقات.
و خصوصاً في الأوقات الصعبة دي،
لازم نشوف المحتاج و نحاول نوصله.
الناس دي محتاجانا أكتر من أى وقت تاني،
و هما كتير و الله
كتير فعلاً……..
دكتور احمد بسام