29/10/2025
� الهلاوس التوحدية أم الفصامية؟
عندما يُساء فهم التوحد عالي الأداء ويُشخَّص خطأً بالفصام
بقلم: د. أحمد شمس الدين – بغداد – العراق
📞 0771 481 6340
🔹 مقدمة
في السنوات الأخيرة، لاحظ الأطباء تزايد حالات الشباب الذين يُشخَّصون بالفصام، بينما يعانون في الحقيقة من توحدٍ عالي الأداء.
الخلط بين الحالتين سببه التشابه في بعض المظاهر السلوكية مثل الانعزال، ضعف التواصل، الكلام الغريب، أو حتى ظهور ما يشبه “الأوهام” أو “الهلاوس”.
لكن جذور هذه الأعراض مختلفة تمامًا، وفهم هذا الفرق يُغيّر مسار العلاج بصورة جذرية.
🔸 أولًا: كيف تظهر “الهلاوس التوحدية”؟
في التوحد عالي الأداء، لا تكون الهلاوس حقيقية بالمعنى المرضي،
بل هي نتيجة فرط نشاط تخيلي وخلل في تفسير المنبهات الحسية أو العاطفية.
أمثلة واقعية:
• قد يسمع الطفل أو الشاب صوتًا داخليًا يمثل أفكاره ويظنه خارجيًا.
• أو يفسّر ضوضاء المروحة أو صدى الأصوات كأنها “كلام موجه له”.
• وأحيانًا يعيش عالمًا خياليًا يواسي نفسه به فيبدو كأنه منفصل عن الواقع.
لكن الفرق أن الشخص التوحدي يعرف في قرارة نفسه أن هذا ربما من خياله أو قلقه، ولا يفقد ارتباطه الكامل بالواقع.
الآلية البيولوجية المحتملة:
• فرط استثارة في المناطق السمعية والبصرية بسبب ضعف GABA.
• اضطراب التكامل الحسي (Sensory Integration).
• نشاط مفرط في الشبكة الافتراضية للدماغ (Default Mode Network).
• قلق شديد يولّد إسقاطات إدراكية (Perceptual Projection).
🔸 ثانيًا: كيف تختلف الهلاوس الفصامية؟
في الفصام، الهلاوس تكون انفصالًا إدراكيًا كاملاً عن الواقع:
• المريض يسمع أصواتًا تخاطبه أو تأمره.
• يقتنع بأفكار اضطهاد أو مراقبة لا يمكن نقاشها.
• لا يستطيع التمييز بين أفكاره والعالم الخارجي.
الآلية العصبية:
• خلل حاد في مسار الدوبامين (mesolimbic pathway).
• اضطراب الاتصال بين الفص الجبهي والصدغي.
• استجابة مناعية أو التهابية مزمنة تؤدي لتفكك الإدراك.
🔸 ثالثًا: الفارق السريري بين الحالتين
فيما يلي مقارنة مفصلة يمكن نسخها بسهولة إلى أي منشور:
الوعي بالواقع:
• التوحد: غالبًا موجود، الشخص يدرك أن ما يراه أو يسمعه قد يكون من خياله.
• الفصام: مفقود، المريض يصدق التجربة تمامًا ويعتبرها حقيقية.
المنشأ:
• التوحد: ناتج عن قلق، عزلة، أو فرط خيال داخلي.
• الفصام: ناتج عن خلل في إدراك الواقع واضطراب الدوبامين.
اللغة:
• التوحد: دقيقة ومنغلقة على الذات وموجهة نحو مواضيع محددة.
• الفصام: مفككة وغير مترابطة وقد تتضمن تراكيب غريبة.
الانفعال:
• التوحد: يظهر القلق والتوتر والدفاع الذاتي.
• الفصام: يظهر لا مبالاة أو اضطراب وجداني حاد (ضحك غير مناسب، خوف غير مبرر).
الزمن:
• التوحد: عابر، يرتبط بالإجهاد أو الحرمان الحسي، ويزول مع الراحة والدعم.
• الفصام: مزمن ومتكرر دون محفز واضح.
الاستجابة للعلاج:
• التوحد: تتحسن الأعراض بالدعم النفسي والبيولوجي (مثل المغنيسيوم، دعم المثيلة، علاج القلق).
• الفصام: يحتاج لمضادات ذهان نوعية بجرعات دقيقة ومتابعة طويلة الأمد.
🔸 رابعًا: التوحد والفصام يشتركان في الجذر ويختلفان في الاتجاه
كلاهما يتضمن اضطرابًا في الاتصال بين مناطق الدماغ (connectivity imbalance)،
لكن الفارق أن:
• التوحد يبدأ كخلل تطوري منذ الطفولة في التواصل والمرونة العصبية.
• الفصام يبدأ كمشكلة تفكك إدراكي بعد المراهقة مع فقدان insight (الاستبصار).
لهذا فالتاريخ التطوري للطفل هو المفتاح لتشخيصٍ دقيق.
🔸 خامسًا: لماذا يحدث الخلط التشخيصي؟
كثير من البالغين التوحديين يعانون من:
• قلق اجتماعي شديد.
• عزلة فكرية وانسحاب.
• فرط تحليل للأحداث وسوء تفسير للنوايا.
فيبدو سلوكهم “فصاميًا” للمراقب السطحي،
لكنهم في الحقيقة يعيشون تجربة حسية إدراكية مضطربة لا فقدانًا للعقل أو الواقع.
🔹 سادسًا: مخاطر التشخيص الخاطئ
عندما يُشخَّص التوحد عالي الأداء بالفصام:
• يُعطى المريض مضادات ذهان قوية تضعف الأداء المعرفي.
• يُهمَل الجانب الحسي والتدريبي المهم في التوحد.
• تُزرع في ذهن المريض فكرة أنه “مجنون”، مما يزيد اكتئابه وانسحابه.
لذلك فإن التشخيص الدقيق ينقذ حياة معرفية كاملة.
🔸 خلاصة المقال
ما يُسمّى أحيانًا “هلاوس” في التوحد عالي الأداء ليس فصامًا،
بل انعكاس لقلقٍ عميق، وفرط استشعارٍ للعالم الداخلي،
وتفاعلٍ عصبي–حسي مختلف جذريًا عن الاضطراب الفصامي.
الفهم الدقيق لهذه الفروق يمنح المريض علاجًا إنسانيًا وعلميًا في الوقت نفسه،
ويعيد الثقة بين الطبيب والأسرة والمريض.
💚 تابع صفحة أسرار التوحد لتصلك أحدث المقالات في الطب الوظيفي،
وقصص نجاح حقيقية لأطفالٍ تعافَوا من أعراض التوحد بفضل الفهم العميق للجينات، التغذية، وتصحيح مسارات الجسم.
كل متابعة منك تُسهم في نشر الأمل والعلم معًا. 🌿