03/10/2025
يَبْدو طِبُّ الأَسْنانِ وَالطِّبُّ النَّفْسِيُّ لِلْوهْلَةِ الأُولَى عالَمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، غيرَ أَنَّ التَّأَمُّلَ العَميقَ يُظْهِرُ أَنَّهُما وَجْهانِ لِحِكايَةٍ واحِدَةٍ: حِكايَةُ الأَلَمِ الإِنْسانِيِّ وَالبَحْثِ عَنِ التَّوازُنِ.
فَطَبيبُ الأَسْنانِ يُواجِهُ مَعَ مَريضِهِ أَلَماً جَسَدِيّاً مَلْموساً، أَلَماً يَنْبُعُ مِن عَصَبٍ مُلْتَهِبٍ أَو سِنٍّ مُتَكَسِّرٍ. وَفي المُقابِلِ يُواجِهُ الطَّبيبُ النَّفْسِيُّ أَلَماً غَيْرَ مَرْئِيٍّ، يَتَجَسَّدُ في قَلَقٍ أَو اكْتِئابٍ أَو فَقْدٍ لِمَعْنى الحَياةِ. كِلاهُما يَسْتَمِعُ إِلَى شَكْوى، وَيُحاوِلُ تَفْكيكَها، ثُمَّ يُعيدُ صِياغَةَ المَريضِ عَلى صُورَةٍ أَصَحَّ.
الفَرْقُ بَيْنَ المَجالَيْنِ لا يُلْغي تَكامُلَهُما؛ فَالأَلَمُ النَّفْسِيُّ قادِرٌ عَلى تَفْجيرِ أَوْجاعٍ جَسَدِيَّةٍ في الفَمِ وَالأَسْنانِ، وَالأَلَمُ الفَمَوِيُّ قادِرٌ عَلى زَعْزَعَةِ تَوازُنِ النَّفْسِ. إنَّهُما دائِرَتانِ تَتَداخَلانِ، وَمَنْ يَسْعَى لِفَهْمِ الإِنْسانِ كامِلًا يَجِبْ أَنْ يَرى ذلِكَ التَّشابُكَ.
مِن هُنا يَبْدو طِبُّ الأَسْنانِ وَالطِّبُّ النَّفْسِيُّ كَجَناحَيْنِ لِطائِرٍ واحِدٍ: جَناحٌ يُعالِجُ الجُذورَ المادِّيَّةَ لِلأَلَمِ، وَجَناحٌ يُعالِجُ جُذورَهُ الرُّوحِيَّةَ. وَبِانْسِجامِهِما فَقَط يَسْتَطيعُ الإِنْسانُ أَنْ يَطيرَ نَحْوَ صِحَّةٍ أَوْسَعَ وَحَياةٍ أَعْدَلَ.
حسين مهند
طبيب أسنان
#نصوص
#فلسفة