14/09/2025
أنا أنسى كثيراً ! ما رأيك يا حكيم ؟
عبارة كثيرة التكرار و اسمعها من الجميع, طالب طب في السنة الخامسة يذاكر فلا يثبت في ذهنه شيء،ومهندسٍ في الأربعينيات يلهث بين العمل والأسرة وشاشات هاتفه، وحاجٍّ سبيعيني يظن أن تقدم العمر يضعف ذاكرته. والحقيقة أن النسيان ليس قدَراً محتوماً، بل نتيجة عوامل متداخلة يمكن فهمها وضبطها.
ليس كل النسيان شيء واحد, فهناك النسيان الطبيعي الذي هو جزء من الحياة اليومية وأحيانا يتأثر بقلة النوم الذي يقلل من تثبيت المعلومات في الذاكرة الطويلة. و كذلك بسبب التشتت المستمر (إشعارات السوشيال ميديا) التي تقطع دوائر التركيز وكذلك الإرهاق الذهني وتعدد الواجبات الذي يجعل الدماغ أقل قدرة على ترميز المعلومات. وبعض الدراسات الحديثة تقول إن ٤٠٪ من شكاوى النسيان عند الشباب ليست بسبب ضعف الذكاء بل بسبب قلة النوم !. وهناك النسيان النفسي الذي يسببه القلق حيث يقلل الانتباه أو الاكتئاب الذي يضعف الحافز أو يبطأ استدعاء المعلومات وكل ذلك تحت تأثير مواد بيولوجية يؤثر على منطقة الحصين Hippocampus المسؤولة عن الذاكرة.
وطبعاً هناك النسيان المرضي الذي يحتاج إلى فحص وعلاج وقد يكون سببه اضطراب الغدة الدرقية أو نقص فيتامين B12 أو بسبب تأثير بعض الادوية أو بدايات التدهور المعرفي الزهايمر (يفقد فيه المريض القدرات اللغوية و المهارات وغيرها) و التتشخيص المبكر دائماً يحسن فرص التحسن و يؤخر التدهور.
هذا كلام جيد ولكن السؤال المتكرر كيف أحافظ على ذاكرتي ؟
أعتقد شخصياً أن المزيد من الحفظ و التذكر يساعدان كثيراً فالذاكرة كالعضلة تحتاج تعلماً مستمراً و قراءة متنوعة و ترتيب للمعرفة مع التكرار اليومي للمحفوظات مهما كانت و ربط الأفكار بالاضافة إلى النوم العميق و الغذاء الصحي المتوازن مع الاكثار من الخضار و مضادرات الأكسدة و الاوميغاء 3 و بعض الرياضة و خصوصا المشي بالاضافة إلى التواصل الاجتماعي الحقيقي و تجنب العزلة. وبالتأكيد دائماً نحتاج إلى جانب روحي وجداني ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾
على أي حال, الذاكرة أشبه بمكتبة هائلة، تحوي آلاف الأوراق والكتب, لكن بالله عليك ما قيمة هذه المكتبة إن لم يكن لها فهرس يساعدك على الوصول لما تريد؟ بل العلم يخبرنا أن الدماغ جهاز حيّ قادر على تكوين وصلات عصبية جديدة حتى في عمر التسعين! و لذلك حين نردد "أنا أنسى!"، علينا أن نتذكّر أولاً أن السؤال الأهم هو "هل أعطينا أدمغتنا الراحة المطلوبة والفرصته لترتيب الأوراق؟
محمد حسان الذنيبات
استشاري أمراض باطنية
اخصائي امراض و زراعة الكلى و ضغط الدم