14/11/2025
من مذكراتي #4: أفكار متسلطة (جلسة 2)
بدأت الجلسة الثانية، أماني جالسة على الكرسي ذاته، هذه المرة أقرب قليلاً إلى المنتصف. كان في وجهها مزيج من القلق والفضول.
سألتها إن كانت قد كتبت ما تحدثنا عنه في المرة السابقة، فأخرجت ورقة مطوية من حقيبتها وقالت: كتبت الجمل اللي كانت تأتيني… ولكن شعرت كأنني أفضح نفسي.
تناولت الورقة منها بتأنٍ، كانت مكتوبة بخط صغير متردد:
"اقفزي من الشرفة الآن"
"استخدمي السكين، لتتخلصي من الضغط"
"لن يرتاح أحد إلا بعد أن تؤذي نفسك"
سألتها: ماذا تشعرين عندما تكتبينها؟
قالت بعد صمت: أرتعب… وأكره نفسي أكثر.
هنا تدخلت توضيحاً: ما نحاول فهمه ليس الفكرة بحد ذاتها، بل المشاعر التي تسبقها. هذه الجمل هي طريقة قاسية يُعبّر بها جزء منك عن احتقان داخلي، عن ألم لا يجد طريقاً آخر للخروج.
أطرقت برأسها وقالت: «بس أنا دايماً كنت البنت الهادية، ما بعصب، ما بزعل، ما بصرخ… يمكن هذا الصوت هو الصرخة اللي ما طلعتها».
ابتسمتُ وقلت: أعتقد أنك بدأت تسمعينها لأول مرة فعلاً، وليس فقط تخافين منها.
في اللحظة نفسها بدأت تبكي. لم أتدخل، تركت البكاء يأخذ مجراه، ثم قلت بهدوء: أحياناً تكون أول خطوة في العلاج هي أن نسمح للألم أن يُوجَد دون أن نُترجمه إلى فعل.
بعد دقائق، قالت وهي تمسح دموعها: «لما كتبت الجمل، لاحظت إنّها تيجي أكثر لما أكون لوحدي بعد الشغل… لما أحس إنّي ما أنجزت كفاية».
سألتها: هل الصوت يهاجمك عندما تشعرين بالذنب؟ هزّت رأسها إيجاباً. قلت: إذن الصوت ليس عدوك، بل انعكاس لقسوة داخلك عليكِ. سنحاول في الجلسات القادمة أن نكتشف من أين تعلّمتِ هذه القسوة.
عند نهاية الجلسة، تنفّست أماني بعمق وقالت: «اليوم أول مرة أحس إنّي أقدر أتكلم بدون خوف من إنك تحكم عليّ».
قلت لها بابتسامة: وهذا يعني أن التحالف العلاجي بدأ يتكوّن، وهو أقوى من أي فكرة قهرية.
في مذكّراتي كتبت: "في الجلسة الثانية، بدأت تظهر الديناميات الأولى: الصراع بين الذات المطيعة والذات الغاضبة، وتجلّت الأفكار القهرية كرمزٍ للعدوان المكبوت. عندما يُتاح البكاء، تبدأ الأفكار تفقد سلطتها".
#اكتئاب #وهم