21/09/2025
في عام ٢٠٢٢، انتُخبت الدكتورة ليلا عاقوري ديراني أوّل نقيبة للنفسانيين في لبنان. لم يكن وصولها إلى الموقع مجرّد حدثٍ إداري عابر، بل محطة مفصلية في مسار مهنة حديثة العهد بنقابتها، وفي بلد يرزح تحت الانهيارات والأزمات المتلاحقة.
منذ اللحظة الأولى حملت على عاتقها مسؤولية جسيمة، وأثبتت أنّ القيادة ليست منصباً تُلتقط له الصور، بل رسالة تُصان بها المهنة وتُخدم بها المصلحة العامة.
على مدى ولايتها، أنجزت الكثير: عزّزت حضور النقابة في الساحة الوطنية، ودافعت عن النفسانيين وحقوقهم، ورسّخت الاعتراف بالمهنة وموقعها، وفتحت أبواب النقابة أمام النفسانيين على حدّ سواء.
أرادت للنقابة أن تكون بيتاً جامعاً لا إطاراً شكلياً، وأن تتحوّل إلى مرجع علميّ ومهني له كلمته في القضايا العامة، لا صندوق بريد للشعارات.
ومن ضمن الإنجازات التي تُسجَّل لها: إقرار النظام الداخلي للنقابة، وإنجاز القوانين واللوائح المنظمة للعمل النقابي.
كانت ولادة النقابة صعبة جداً. وفي الانتخابات الأولى عام ٢٠٢٢، تعرّضت النقيبة لحملات الإساءة والتجريح والهجوم الشخصي من بعض المرشحين، في خروج فادح على أخلاقيّات المهنة وميثاقها. ثمّ، بعد تسلّمها مهام النقيب، استمرّ الهجوم عليها ووُضِعت العراقيل في طريقها؛ مما انعكس سلباً على أداء النقابة،ومع ذلك، اختارت الارتفاع فوق الجراح، فسامحت وتجاوزت وحافظت على حضور رصين. وإذا عقدنا مقارنة بين ما فعلوه وما فعلته د. ليلا، لوجدنا أنهم أساؤوا إليها في الصحف والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعية، غير آبهين بأخلاقيّات مهنة النفساني، أمّا هي فلم تنجرّ يوماً إلى هذا النمط من التصرّف، بل حفظت للخطاب العام رصانته، وجعلت من العمل والإنجاز ردَّها الأبلغ.
ثم جاء عام ٢٠٢٤ ومعه الحرب، ليضع النقابة في أصعب اختبار. في تلك اللحظة الحالكة، وقفت النقيبة ثابتة، حامية لوحدة الجسم المهني، ومدافعة عن دوره الوطني والإنساني. سعت إلى الوفاق وهدم الهوّة بين المختلفين، لكن سعيها كثيراً ما قوبل بالعرقلة والرفض. ومع ذلك، ظلّت على يقين بأنّ النقابة أوسع من الأشخاص والتيارات، وأنّها يجب أن تبقى جسرا للحوار لا ساحة للخصومة. وقبل أن تكون نقيبة منتخبة، كانت وما تزال امرأة وطنية تصدّت للطائفية والتعصّب، ورفضت أن يتحوّل هذا الموقع الجامع إلى مساحة انقسام وضيق أفق.
وإن اختلفنا مع د. ليلا في وجهة نظر، أو خيار إداريّ، أو تفصيل مهنيّ، فإنها لم تُغلق يوماً باب النقاش، ولم تسدّ الطريق في وجه أحد؛ بل استقبلت الرأي المخالِف بسعة صدر، وجعلت من الحوار قاعدة، ومن الإصغاء دَيدناً. وهكذا ظلّ الاختلاف معها اختلاف اجتهاد، لا ذريعة للخصومة أو الإقصاء.
اليوم، ومع اقتراب انتهاء ولايتها، تتسابق بعض الأطراف على مركز النقيب وكأنّه وجاهة أو سلطة. ولكن كيف يُملأ مكان د. ليلا بخطاب متهوِّر وتوجّه طائفيٍّ ضيّق لا يمت إلى العلم ولا إلى رسالة المهنة بصِلة؟ ألا يُدرِك المتسابقون أنّ مركز النقيب أمانة ومسؤولية لا منصّة للتفاخر ولا منبر للمصالح؟ إنّه موقع يُقاس فيه القائد بضميره وحكمته وقدرته على الجمع وحماية المهنة من الاستغلال.
لقد أثبتت د. ليلا أنّ القيادة الحقّة تُقاس بالقدرة على الجمع لا على التفريق، وبالإصغاء والحوار لا بالإقصاء، وبحراسة الميثاق المهني لا بتجاوزه.
من تعلّم هذا الدرس يملك أهلية حمل الراية من بعدها؛ أمّا من أسكرته الألقاب وأعماه الاصطفاف، فلن يزيد النقابة إلّا بُعداً عن رسالتها.
هذه كلمة حق تُقال في من قادت النقابة في أحلك الظروف فجمعت ولم تُفرّق، وارتفعت بالخطاب ولم تُسقِطه، وجعلت من المنصب خدمة ومن السلطة أمانة. ومن أراد أن يخلفها حقّاً، فليبدأ من هنا: من احترام الميثاق، وصون الكرامة، ووضع المهنة والوطن فوق كلِّ اعتبار.