
16/05/2025
أعرف من الناس من لا يطيب له العيش إلا في الخصومة، فهو يهوى الطعن في نوايا الخلق، ويُقاتل طواحين الهواء كما قاتلها «دون كيشوت»، لا ليحمي حقًّا، ولا لينصر مظلومًا، بل ليُشعر نفسه بأنّه شيء، وبأنّ له وزنًا بين الناس، وبأنّ وجوده لا يُغفل.
وأشقى الناس من لا يهنأ له العيش إلا في العداوات، فلا يأنس لوجوده إلا بها؛ يفتعلها افتعالًا، ويُضرِم نارها متعمّدًا، ثم يجلس عند أتونها متدثّرًا سعيدًا.
يخلق العدو خلقًا، ويحوكه من خيوط ظنونه، وهو في قرارة نفسه لا يُقاتل إلا خوفه من الفراغ، وشعوره العميق بأنه لا يُرى.
وما ذلك إلا صدى ضعفٍ داخليٍّ أبت عليه نفسه الاعتراف به، فستره بغضبه، وزيّنه بعداواتٍ يصنعها بيديه، ليصير حديثَ الناس وموضع اهتمامهم، كأنما لا يثبت وجوده إلا بنفي غيره، ولا يكبر حجمه إلا بتقزيم سواه.
يكفيه من المجد أن يخدع نفسه؛ فعدوّه صنيع خياله، وهو سجين وهمه بخصومةٍ لم تقع، ويظل يُحارب ظلّه، ويُكلّل رأسه بتاجٍ من أعداءَ لم يعادونه، فما انتصر إلا على خيبته، وما انهزم إلا بنفس