
24/12/2024
دراسة حالة
تقول الحالة:
منذ فترة ليست بالقصيرة، أشعر وكأنني في حالة من السكون العاطفي، حيث لا أعيش مشاعر الحزن ولا لحظات الفرح الغامر. إنه شعور أشبه بفراغ داخلي أو توازن مطلق، فلنسمِّ هذه الحالة "حالة الصفر"، حيث لا تميل كفّة مشاعري نحو أي اتجاه. كل شيء يبدو محايدًا، بلا انفعال قوي يحركني أو أثر عاطفي يترك بصمة واضحة على يومي. حتى في حال حدوث موقف مفرح، تصعد مشاعر الفرح لحظتها، ثم تخبو. نفس الشيء بالنسبة للمواقف التي تثير الحزن أو الغضب؛ لا يستمر معي الشعور إلا لحظات لأعود إلى حالة الصفر. لنقل: حالة من الرضا التام والتقبل للذات بكل متناقضاتها، لا ألوم نفسي أو الآخرين على شيء.
"حالة الصفر" هذه لا تعترف بالشغف، بالعمل خارج دائرة الراحة. لن توحي لك بالإبداع في الكتابة أو الرسم أو الأفكار الجديدة. لن تحلل المواقف، ولن تبحث عن معنى للأشياء...
"حالة الصفر" تصبح معها إنسانًا بلا طموح، ولا أهداف، ولا تخطيط. يمر يومك في القيام بما هو مستعجل، سواء كان مهمًا أو غير مهم، الحفاظ على مواعيد الوظيفة ومدارس الأولاد صلة الرحم كل ما يجعل سير الحياة عاديا...
"حالة الصفر" تجعلك تستقبل منح الحياة، مهما كانت جميلة وجديدة، وكأنك تعيشها كل يوم. تسقط عنك أعباء التشبت بالأشياء تمنحك مقصًا تقطع به كل التعلقات المادية.
"حالة الصفر" تعتبر النجاح والفشل وجهان لعملة واحدة. لا تهتم الألقاب والأسماء والأضواء، أن تعيش كنجم يراه وينبهر به الجميع أو أن تعيش كشبح لا يلتفت إليه أحد.
"حالة الصفر" تسلبك رغبة التعلم وتشعرك بتخمة من المعرفة، باكتفاء زائد حتى بما كنت شغوفًا به من قبل.
إنها حالة عكس نسختي القديمة تمامًا، التي كانت تملأ الكراسات في كل نهاية وبداية عام جديد، تخطط وتكتب الأهداف وتطلق النوايا وتضع خططًا بديلة، تجرد ما تحقق وتعيد كتابة ما لم يتحقق. كانت تحب التعلم، و شغوفة بكل ما هو جديد.،لا أنكر أن هذه النسخة لا زالت موجودة، تأبى أن تغادر، لكنها لا تسيطر على الوضع. تراقب من بعيد، وكلما سمحت لها الفرصة، تقض مضجعي وتنتهك حرمة طمأنينتي لتهزني هزًا، وتذكرني بأهدافي وأحلامي وخططي. فتتسارع دقات قلبي، وكأن خطرًا محدقًا يحيط بي، وتشوش أفكاري، وتظهر مسؤوليات كثيرة تقف أمامي كحائط آيل للسقوط يوشك أن ينهار فوقي.
نعم، لدي كتب اشتريتها ولم أقرأها، دورات لم أدرسها، أفكار لم أكتبها، لوحات لم أرسمها مشاريع لم اتممها…
لكن، الحمد لله على حالة الصفر التي تأتيني كمنقذ من حالة الذعر هذه، لتذكرني بأنه "لا شيء مهم كما يبدو". أنا بخير. أنا راضية، كل شيء على ما يرام. أنا في نقطة الصفر، وامتلك ما لا نهاية.
انتهى كلام الحالة
تطرح الحالة عدة أسئلة
هل هذه حالة رضى حقيقية أم خدعة من عقلها الباطن لتبقى في دائرة الامان ؟
هل النجاح له معايير اجتماعية أم حالة شعورية متفردة ؟
هل من الضروري ابهار الاخر حتى نتسم بالتقة بالنفس و النجاح ؟
هل من الأفضل تشجيعها على الاستمتاع بحالتها أم اعادتها لحالة عدم التوازن و اخرجها من منطقة الراحة؟