
26/08/2025
في السنوات الأخيرة، صار اسم "طوطو" على ألسنة المراهقين المغاربة أكثر مما هي عليه أسماء المفكرين والشعراء الذين ملأوا مكتباتنا. ليس لأنه جاء بفلسفة جديدة، ولا لأنه كتب ملحمة أدبية، بل لأنه ببساطة صرخ بما يصرخون به في دواخلهم. كلمات فظة، إيقاعات صاخبة، ورغبة في التمرد على كل ما يمثل السلطة: الأسرة، المدرسة، وحتى المجتمع نفسه.
المراهق عندنا يعيش عطشًا عميقًا للاعتراف. كما يقول إريك فروم، الإنسان يهرب من الحرية لأنه يخافها، لكنه يظل يبحث عن سلطة بديلة يتكئ عليها. وفي لحظة ضعف جماعية، وجد الشباب في طوطو تلك السلطة. إنه ليس قدوة بالمعنى الكلاسيكي، لكنه صورة لصرخة داخلية تقول: "نحن هنا… ونرفض أن نصمت".
الظاهرة تبدو كوميدية إذا نظرنا إليها من بعيد. بلد الشعر الأندلسي والملحون، بلد الحكايات الصوفية والأمثال الشعبية، يعلو فيه اليوم صوت رابر يملأ الملاعب بآلاف الشباب الذين يرددون كلماته وكأنها آيات جديدة. نحن أمام مشهد يكاد يذكرنا بنيتشه، حين أعلن "موت الإله"، غير أن ما نراه هنا هو تأليه الرابر، في نسخة ساخرة من الفلسفة.
لكن خلف هذا المشهد الساخر هناك جرح حقيقي. المراهق المغربي لا يجد نفسه في خطابات الكبار. يسمع عن النموذج التنموي وهو عاطل، يرى النقاشات الدينية والأخلاقية وهو غارق في صراع داخلي حول الهوية، ويجد نفسه محاصرًا بين عالم قديم يرفض أن يموت وعالم جديد لا يرحب به. في هذا الفراغ الهائل، يطل طوطو كبطل بديل.
بيير بورديو يقول إن الذوق الفني ليس مسألة بريئة، بل إعلان صراع اجتماعي. حين يختار المراهق أن يستمع لطوطو، فهو يعلن انفصاله عن قيم والديه وعن لغة أساتذته. إنه يبحث عن لغة أخرى، حتى وإن كانت مشحونة بالغضب والفجاجة. إنها محاولة للقول: "لسنا أنتم… نحن جيل آخر".
وهكذا، ليست المشكلة في طوطو بحد ذاته. المشكلة في مجتمع ترك فراغًا نفسيًا وثقافيًا، فملأه الرابر. الشباب لا يعيشون بالخبز وحده، بل يحتاجون إلى رموز، إلى معنى، إلى قدوات. وحيث يغيب هؤلاء، يصبح أي صوت مرتفع، مهما كان عشوائيًا، مرجعًا. ومن هنا، يطل علينا طوطو، لا كسبب للأزمة، بل كمرآة لها.