08/06/2025
يوميات ممرض
كان ثاني إثنين يعودان من غيبوبة الكورونا آنذاك
دامت رحلته 56 يوما
داعبتني خواطر و أنا أقوم بمداواة بعض آثار تلك الرحلة ( الغيبوبة ) فٱنطلقت أدغدغ عواطفه آملا إستفزاز ذاكرته
قلت : أخبرني عن رحلتك فإني قرأت عجائبا ما رأيتها يوماً
قال : إسمع
قلت : صاغ
قال : حينما تدهورت حالتي رافقتني زوجتي ( كانت تعد بعض مشروبات الضيافة) ومعها إبن خالتي و رفيق دربي و أخي الذي لم تلده أمي ... ذلك كل ما أتذكره قبل سباتي
سكت قليلاً ثم إستطرد: في أحد تلك الليالي زارني رفيقي و دعاني في رحلة بعيدة . طبعاً سنكون سويا كما جرت العادة.
كان المكان خلابا و الطقس رطب معطر و الفيء كثيرة قلة منهم أعرفهم كانوا قد غادرونا منذ زمن ، لهونا و صخبنا و تفرقنا و ٱجتمعنا... كانت أياما جميلة حتى اتاني أواخرها صديقي و أعلمني بقاءه و رحيلي فكان له ذلك
تنهد وصمت ، كنت قد أكملت إسعافاتي فساعدته على الجلوس
اتتنا بعدها حاملة همومه حاملة ما نسقي به الريق و نحلي به الطعم يعلو محياها مزيج غريب بين بشرى عودة الحبيب و وجع لا أعلم أسبابه حتى الآن. قبلنا كرم الضيافة وبدأ الوقت يلح علي بالرحيل و لكني لن أفلت فرصة كهذه فطلبت منه أن يواصل ففعل : تيت تيت تيت بدأ البياض يملؤ عيناي ، كانت غرفة شاسعة تلمؤها آلات غريبة تصدر أصواتا مزعجة و أرى فيها أضواءا تصدر من كل صوب و حدب حتى كادت تخفي جيشكم الأبيض المحيط بي من كل جانب و مساحة ثغر كل منهم تكاد تملؤه كرة قدم ثم إنطلقت من ثغر إحداهن زغرودة ممزوجة بالبكاء فأدركت حينها أني عدت من الرحلة الأولى
هنأني الجميع بعودتي و اخبروني أنهم سيسمحون لحبيبتي بالدخول بعد حين و حدث... رأيت في عينيها نظرات الأيام الأولى لزفافنا. وضحك مستطردا : ^ ماك تعرف رب ضارة نافعة ^
ضحكت و أجبت: " فهمت ، هاه أكمل.
قال: فرحت لرؤيتها أيما فرح و سألتها عن أحوالها و أحوال الأولاد ثم تذكرت أين رفيقي كيف لا ينتظرني في يوم كهذا والله.. فرأيت سائلا أسودا يسيل من عين يسرى محمرة كجمرة ملتهبة فأدركت حينها ما كانت الرحلة الثانية.
دبت في شراييني حرارة تلك التي يدعونها قشعريرة من هول ما حمل نسيم صوته إلى أعماق أذناي حتى كاد عقلي يعيده إلى حلقه.
ذهب و تركه في إنتظاره ثم عاد و لم يجد منه غير الأثر
-قف ، توقف ، كفا .
-أعلم ، ليس هينا ما تسمع و أنت الغريب الذي لا تدريه . فما بالك بي و هو الرفيق و الحبيب.
و ترك مجالا لجفنيه يحوزا نصيبا من همسات قلبه الحزين.
عندها أدركت سر ذلك الوجع على محيا الحبيبة .
لقد غادرت ، لم تسطع البقاء و دموع العائد تتقاطر. وجعا كانت أم حياءا لا يهم لكنه عاد ليكمل:
-أتعلم ما يهون علي ،....
-هاه. أخبرني.
-لم يستطيع المضي دون أن يودعني ،،،، ليس فقط يودعني بل و يطمأنني عن حاله و مكانه.
تحولت قشعريرتي إلى إرتجاج من شدة صراع حلقات الكهرباء داخل دماغي الصغير حتى كاد صوابي ينفجر و صوت خافت في أعماقي يوسوس " نعم ، إنها حقيقة، نعم حصل ما لم ترى ، نعم ، الرحلة الثانية حقيقة.
عادت سكينتي ، بعد أن خاضت للحظات صراعا بين المعلوم و المجهول ، بين الملموس و اللا محسوس . تدافعت الخواطر، تقابلت ، توازنت ، توازت ، فعادت فتراصت و تكتلت فلم أجد غير أن أسلم .
كان يعي ما ينخر ذهني فسكن مرسومة أسفل مناخيره بسمة طفيفة ثقلى بمشاق رحلته الغريبة .
حينها عادت حاملة همومه يد فارغة و الأخرى يبدو أن شيئا فيها و شفتاها تتحركان دون أن تطأ أذناي نبرة حنجرتها يبدو أنها ترتب ما تريد قوله ثم إنطلقت:
-تكشف لنا الفانية بعضا من خفاياها ... آه لو تعلم ....(بصوت متقطع مترددة من ثقل الحدث على حال حبيبها) هذا غيض من فيض.
أدركت ترددها كما أدركت أني تداينت من زمن من يليه حيث بدأت أرقام هاتفه تجتاح شاشة جوالي في تكرار مقيت .
قلت :
-ما علمته اليوم يكفيني ، ما سمعته اليوم يشد أحزمتي أياما أخر.
و لسان حالي يقول: أغرقني الغيض و أنا المعتد ٫ ترى كيف يكون للفيض المد ؟
ساعدت الغريب ليملأ مظجعه بطوله البلقيسي محييه بالسلام إلى اللقاء القادم ثم أدرت جذعي إلى الرفيقة ثابتا واثقا
ففتحت اليد اليمنى و أعططني منها نصيبا مما أستحق
يتبع
وائل مبارك
#الجميع
@à la une