27/11/2025
لثمانية عشر عامًا، كنت أظن أنّني أم عظيمة. استغرق الأمر كومة من الصحون اللزجة ورائحة مشروبات الطاقة المتخثرة لأدرك أنني لم أكن مجرد أم — كنتُ سارقة.
لقد سرقتُ من ابني القدرة على البدء.
اسمه جيك. عمره 18 عامًا، في سنته الأخيرة من الثانوية. فتى جيد—ذكي، مهذّب، هادئ أكثر من اللازم، ومعدله الدراسي يؤهله لجامعة “جيدة”. بكل المقاييس، هو الطفل الذي قضيتُ عمري كله أحاول أن أبنيه.
كنت أرى أن وظيفتي هي أن أكون نظام دعمه الكامل. مُنظِّمة جدول أعماله، منبّهته، مسؤولة غسيله، طباخته الخاصة، وممهّدة طريقه. أدير تقويمه الإلكتروني، أذكّره بالمواعيد النهائية، وأحضّر له غداءه. كنت أفعل كل هذا ليتمكن من التركيز على “الأشياء المهمة”: المواد المتقدمة، مقالات الجامعة، والرياضة المدرسية. كنت مقتنعة أنني أمنحه ميزة في هذا العالم التنافسي.
كنت مخطئة.
اضطررتُ للذهاب إلى مؤتمر عمل في شيكاغو. 48 ساعة فقط. لم أترك له قائمة مهام. لم أُعِد له وجبات مسبقة. قلت له وأنا أقبّله:
“أنت عندك 18 سنة… هتقدر.”
عندما عدتُ مساء الأحد وصعدت إلى غرفته، كان الباب مفتوحًا.
كانت الغرفة منطقة كارثية.
الملابس في كل مكان—أمواج من الجينز والهوديز والجوارب. زجاجات جاتوريد وعلب مشروبات الطاقة منتشرة على المكتب، تحرس بقايا ورق برغر مكرمش. اللابتوب مفتوح على مقال غير مكتمل، محاط بكتب دراسية وكابلات شحن. أما السرير… فكان يبدو كعش مرّت به عاصفة.
وفي وسط كل ذلك، كان جيك واقفًا. لا يمسك هاتفه. لا يلعب. فقط واقف، يحدّق في الأرض.
“هاي”، قلت محاوِلةً إخفاء الصدمة.
التفت إليّ، ولم تكن النظرة في عينيه تحديًا، ولا كسلًا. كانت… ذعرًا خالصًا.
“ماما…” قال بصوتٍ فارغ. “أنا… مش عارف أبدأ منين.”
شعرتُ أن شيئًا ضرب صدري بقوة. لم يكن يتدلّل. لم يكن يمثل. هو حقًا لم يكن يعرف كيف يبدأ.
وفي تلك اللحظة رأيت كل شيء بوضوح. أنا لم أعلّمه يومًا. أنا دائمًا كنت أبدأ عنه. كنت من تتوغل في الفوضى وتحمل السلة وتنقذه.
كان رد فعلي التلقائي أن أقول:
“حبيبي، انزل كل. أنا هخلّص ده.”
لكنني توقفت. أسندتُ نفسي على الباب وقلبي يدق. لأن بعد ستة أشهر، لن أكون هنا. سيكون في سكن جامعي، ولن أكون في آخر الممر لأتولى الأمر. قضيت 18 عامًا أزيل كل حجر من طريقه حتى لا يتعثر، وبذلك… سرقت منه قدميه.
“ابدأ بالسرير.” قلت بهدوء.
نظر إليّ وكأنني أتكلم لغة غريبة.
“إيه؟”
“السرير. ابدا بيه. هو المرساة.”
ظل ينظر إليّ لوهلة طويلة، ثم استدار نحو السرير. أمسك اللحاف المتشابك بحركات مرتبكة. حاول شد الملاءة بصعوبة. كان الأمر بطيئًا، غير متقن… واضطررت أن أقبض على الباب لئلا أتدخل.
لكنه فعلها. سوّى البطانية. رتب الوسائد.
وفجأة، لم أعد أرى مراهقًا كسولًا… رأيت شابًا لم أجهّزه للحياة.
وأثناء ترتيبه للسرير، تذكرت طفولتي. كنا نرتّب أسِرّتنا قبل المدرسة. نجهز غداءنا بأنفسنا. ليس لأن أهلنا كانوا قساة، بل لأنه كان… طبيعيًا. جزءًا من كونك إنسانًا. كنا نتعلم مبكرًا أن النظام ليس عن الكمال، بل عن احترام مساحتك… عن تحمّل المسؤولية.
الحب الذي يرفع كل الأعباء… يسرق أهم شيء: القوة.
أنهى جيك السرير ووقف أكثر ثباتًا.
“تمام…” قال بصوت أقوى. “وبعدين؟”
“الزبالة. هات كيس.”
ذهب وجلب كيسًا. بدأ يجمع العلب، الأوراق، البقايا. رأيته يذهب للمطبخ ليغسل الصحون المكدسة. ثم عاد.
بعد ساعة، لم تكن الغرفة مثالية. لكنها أصبحت غرفته. الهواء أنقى. الأرض ظاهرة.
جلس على طرف السرير ونظر حوله.
“ده كان فظيع.”
ابتسمت أخيرًا. “أيوه. بس عملته.”
رفع رأسه وارتسمت ابتسامة صغيرة صادقة. “أيوه… عملته.”
في تلك الليلة جلست في غرفة المعيشة أفكر في كل الآباء الذين أعرفهم. الأمهات في مباريات الكرة، الآباء على مجموعات الإيميل. نحن مرهقون. محبون. وخائفون جدًا.
نتدخل، نتابع الواجبات، نرتب الدروس الخصوصية. نفعل كل شيء بدافع الحب. لكن ربما… وربما فقط… بدافع الخوف أيضًا—الخوف من أنهم بدوننا… سيفشلون.
ربما الهدف الحقيقي من التربية، النقطة التي يجب أن يتطور فيها الحب، هي التحول من:
“أنا هعمله بدالك” إلى:
“أنا واثقة إنك تقدر.”
لأن الرعاية ليست فقط حمل أعبائهم، بل منحهم القوة ليحملوها بأنفسهم.
في صباح اليوم التالي، كان منبّهي على 6:30. في 6:15 سمعت صوتًا من الممر.
صوت شد ملاءة. وصوت خفيف لوسادة تُرتب.
كانوا أهدأ وأجمل الأصوات في العالم.
لأن سريرًا غير مرتب اليوم… يمكن بسهولة أن يصبح حياة غير مرتبة غدًا.
علّم ابنك أن يرتّب سريره. ليس لأنك ضابط صارم، ولا لأنك تريد بيتًا متقنًا.
بل لأنك تريد أن يعرف، في أسوأ أيامه، عندما يعمّ الفوضى عالمه ولا يعرف من أين يبدأ، أنه دائمًا يمتلك القدرة على إصلاح شيء واحد.
أن يعيد قطعة صغيرة من حياته إلى مكانها.
أن يجد مرساته.
وأن يبدأ.