
22/07/2025
عندما ندخل إلى مركز غسيل الكلى، أول ما يلفت الانتباه ليس الأجهزة ولا الأصوات، بل الطابور الصامت أمام الميزان. نقف واحدًا تلو الآخر، بوجوه تعبها لا يخلو من الأمل، وكلّ منا يعرف أن هذه الخطوة الصغيرة ليست روتينًا… بل معركة صامتة مع أجسادنا.
الميزان بالنسبة لأي إنسان عادي، مجرد رقم. لكنه في حياتنا، رقم يحدد مصير. هو من يكشف كم احتفظت أجسادنا من سوائل في الأيام القليلة الماضية. هو من يحدد كم سنفقد اليوم أثناء الجلسة. رقم دقيق، لكنه ثقيل… يحمل خلفه صبرًا وألمًا وساعات من العطش والصمت القاسي.
من لا يعرف، قد يظن أن الوزن هنا مجرد معلومة. لكننا نحن نعلم… أن كيلو واحد زائد قد يعني ضغطًا على القلب، صعوبة في التنفس، صداعًا، أو حتى خطرًا على الحياة. الميزان لا يرحم، لكنه أيضًا لا يكذب. هو المرآة التي تعكس كل اختياراتنا بين جلسة وجلسة. هل شربنا كثيرًا؟ هل التزمنا؟ هل أجبرتنا حرارة الصيف على الخضوع للعطش؟ الميزان يجيب بصمت.
ورغم قسوته، أصبحنا نحبّه… لأنه ينبهنا، يحمينا، يجعلنا نعيد التفكير في كل رشفة ماء. هو حارسنا الأول. والمفارقة العجيبة أن أكثر لحظة راحة نشعر بها، بعد غسيل شاق، هي لحظة الوقوف عليه من جديد… لنرى الفرق. كأننا نودعه ونعده بلقاء جديد، مع أمل جديد، وألم أقل.
في مركز الغسيل، الميزان ليس جمادًا… هو شاهد صامت على حكاية كل مريض. حكاية تعب، مقاومة، انضباط، وإرادة لا تموت.