
25/09/2025
من دمشق... لإسطنبول
إعادة البرمجة الإدراكية
✍🏼 د. دعوة الأحدب
وصلتُ البارحة إلى إسطنبول قادمةً من دمشق.
وأنا أتنقل بين عاصمتين، شعرت أني أتنقل بين عالمين: سوريا المتعبة، المنهكة من آثار الحرب والظلم،
وإسطنبول المتألقة، المتأنقة، حيث الحركة والحياة والأنوار.
المقارنة كانت جارحة للنفس، لكن كان عليّ أن أقرر: هل أستسلم للحزن والغضب لما حصل في بلدي؟ أم أصنع رؤية جديدة في داخلي و أنا بخيالي أنني الآن في دمشق بعد ثلاث سنوات؟😎
علم النفس يؤكد أن التصور الذهني يسبق الفعل الواقعي. إذا فكرتُ بحزن على دمشق، فإن عقلي سيبرمج جسدي ومشاعري على العجز واليأس، وسأكون أول ضحية لهذا التفكير.
أما إذا وجهتُ بصري نحو المستقبل، وتخيلت دمشق بعد سنوات وقد تحولت إلى دولة تشع نشاطًا ووفرة، فإن هذا الخيال نفسه سيكون وقودًا للعمل، وجرسًا يوقظ فينا الطاقات.
وهنا يتقاطع هذا مع ما يطرحه علم النفس الإدراكي: العقل لا يكتفي بعكس الواقع كما هو، بل يُعيد تشكيله وفق ما نملؤه به من صور. فإن اخترت صورة سلبية، تحولت إلى سجن داخلي يعيق خطوي ويكبل طاقتي.
وإن غرست صورة إيجابية، صارت وقودًا يدفعني للحركة والعمل. إنها "إعادة البرمجة الإدراكية": رفض الاستسلام لمشهد الخراب، واستبداله بمشهد ينطق بالأمل.
الحزن الطبيعي على وطنٍ جريح لا يُنكر، لكن الاستغراق فيه يعني تكرار الجرح.
في المقابل، إعادة صياغة المنظور ليس تجاهلًا للواقع، بل اختيارًا لإضاءة الطريق وسط الظلام. فمن يعيش في إسطنبول ويرى وهجها، يستطيع أن يتعلم أن المدن تُبنى بالعزيمة، وأن دمشق قادرة على أن تستعيد مكانتها إذا زرعنا اليوم بذور العمل.
نحن صانعو الفكرة. الإنسان، كما تقول النظريات النفسية الحديثة، ليس فقط نتاج البيئة بل صانعها أيضًا. حين نغرس في عقولنا فكرة مشرقة، تتحول تدريجيًا إلى سلوك، ثم إلى مشاريع، ثم إلى واقع. وهكذا تصبح سوريا القادمة مرآةً لأفكار أبنائها: إن حملوا التفاؤل صارت نهضة، وإن حملوا التشاؤم صارت خيبة.
يقول رسولنا ﷺ: «تفاءلوا بالخير تجدوه». وهو توجيه نبوي عميق يربط بين الفكرة والنتيجة؛ فالفكرة الطيبة تثمر خيرًا، والسيئة تثمر وهنًا.
من دمشق إلى إسطنبول، تعلمت أن الفرق بين المدينتين ليس فقط عمرانًا أو ضجيجًا، بل هو فرق في الفكرة المزروعة كذلك.
⁉️للمشاركة في استطلاع الرأي بهذا الموضوع على القناة التفاعلية
https://whatsapp.com/channel/0029VavZ5V0ISTkM2TFwxC1D