10/26/2025
يحكى أبونا لوقا سيداروس فى كتابه رائحة المسيح فى حياة أبرار معاصرين .. فيقول ..
جاءتني سيدة يوما تطلب منى أن أزور جارتها غير مسيحية و هي مريضة بالسرطان و هي الآن في أيامها الأخيرة .. تريد أن تراك
قلت لها مراحم الله واسعة .. و لكن هل تعرفني ؟؟ قالت تعرفك بالإسم ...
و مضى أسبوع و كنت في مشغوليات كثيرة .. و قابلتني السيدة الفاضلة مرة أخرى تتوسل إليّ ... جارتى المريضة منتظرة قدسك بفارغ الصبر .. وحالتها إلى أسوأ ..
و لماذا لم يحضر زوجها ليدعوني إلى بيته ؟؟
قالت السيدة : إن زوجها يعمل مدير قطاع في المحلة الكبرى .. و هو معظم الوقت خارج الإسكندرية ..
إضطررت تحت إلحاح هذه الأخت أن أذهب معها لزيارة جارتها ..
دخلنا المنزل و فتحت هذه الأخت باب شقة جارتها المريضة .. إذ أعطتها المفتاح لأنها ملازمة الفراش ..
ما أن دخلنا ...
دخلت إلى الغرفة حيث كانت السيدة المريضة ...
كانت في الخمسينات من عمرها ... و رغم أنها طريحة الفراش و مريضة إلا أنها تبدو جميلة المنظر ... و قد علمت أنها أجريت لها منذ سنة عملية استئصال الثديين ... وأنها عولجت بالأشعة ... فإحترق جلدها و
جلست على كرسي إلى جوار فراش المريضة .. سلمت عليها .. أخذت يدي تقبلها ... و عيناها تدمع ... تأثرت في نفسي و رحت أكلمها عن مراحم الله ... و أن ما يسمح به الله في حياة الناس من أمراض لابد أنه لخير الإنسان ... و تكلمت عن تجربة أيوب الصديق في كلمات قليلة ... و هي تنصت دون تعليق .. فلا مجال لكثرة الكلام فهي في مرحلة متأخرة .. و لكنها بكامل وعيها و إنتباهها ..
إنتظرت السيدة المريضة حتى إنتهيت من كلامي .. ثم إستأذنت الأخت المسيحية و بنتها اللتان كانتا واقفتين .. أن يتركونا وحدنا ..
إستجابت السيدتان في الحال و خرجتا إلى خارج الغرفة ...
أدارت السيدة وجهها نحوي و نظرت إليّ نظرة عميقة ... ثم إنفجرت في بكاء و مرارة .. لم أر في حياتي إنسانا ينحصر في الحزن و هو في شدة المرض مثلما رأيت في هذه السيدة .. كاد قلبي ينفطر و أنا أرى منظرها المؤلم ... لم يكن أمامي شيء أفعله .. حاولت أن أهدئها بكلمات تعزية وهي تشهق بالبكاء .. و بالكاد نجحت أن أسكتها و قلت لها تكلمي بدون بكاء حتى أفهم و أعرف كيف أجيبك ...
تمالكت المسكينة نفسها و قالت :
يا أبي أنا مسيحية !!
وقعت هذه الكلمات على نفسي كالصاعقة ... و لكني أطرقت بصري إلى الأرض ..
قالت : أنا أخت الدكتور فلان (وهذا الدكتور أنا أعرفه من القاهرة) ...
كان عمري 16 سنة .. زوجني والدي لرجل لبناني ثري جدا يبلغ الخمسين من عمره ..
و كنت وقتذاك فتاة صغيرة جميلة .. ولم تكن لي خبرة في الحياة ..
و كان هذا الزواج غير موفق على الإطلاق .. بسبب الفوارق بيننا في كل شيء .. و بسبب صديقات السوء .. تركت بيتي ...و تزوجت بزوجي المسلم هذا ..
فعلت كل هذا في عدم إدراك .. و كان هذا منذ أكثر من ثلاثين سنة !!
و عادت تبكي بمرارة و تقول : لم يغب شخص الرب يسوع عن نظري و قلبي و حياتي و لم يغب صليبه عن ذهني .. صدقني يا أبي .. و لا يوم واحد من أيام حياتي !! أنجبت ولدين .. عمدتهما سرا وكنت أعلمهما منذ نعومة أظفارهما الحياة مع المسيح و الإيمان به .. و كبرا و تعلما .. و هما الآن بالخارج يعيشان حياة مسيحية فاضلة ..
و ها أنا كما تراني طرحني المرض للموت ... و ها أنا أنتن و أنا بعد حية .. أنا أستحق أكثر من هذا .. أنا أنكرت إيماني .. أنا جحدت مسيحي !!
كنت في تلك اللحظات القليلة أسمعها و قد أصبحت أمام قصة توبة فريدة من نوعها .. فهذا هو الهزيع الأخير .. و لكن إلهنا يخلص .. و يحيي من الموت من قد هلك !!
عادت السيدة تسألني بنفس كسيرة : هل بعد كل هذا يوجد رجاء ؟؟!
سرت في نفسي قشعريرة رهيبة .. و إنبرى لساني ينطق بكلمات رجاء و قوة لم أنطقها في حياتي .. تخيلت شخص المسيح مخلصنا الصالح و هو يفتدي غنمة صغيرة من فم الأسد ... كاد يبتلعها .. بل قد مضى زمان الإفتقاد و ها هي على حافة الهاوية ... و لكن مبارك الله الذي أنقذ نفسي من الموت و عيني من الدموع و رجلي من الزلل ...
قلت إن مخلص اللص اليمين قائم و حاضر و قادر ... و مبرر الفاجر .. قائم من الأموات ... و إن خطايانا مهما تعاظمت لا تقوى على الوجود .. إن نحن إلتجأنا بإيمان و توبة للقادر أن يخلص إلى التمام ... و بمثل هذا الكلام كنت أعزيها ...
أشرق وجهها بنور رجاء ... و كانت عيناها تفيض دموعا كالنهر ... و لكن وجهها كان مرتاحا و ملامحها تغيرت كمن أشرقت عليها الشمس !!
قالت متسائلة بنبرة عجيبة ... أنا أثق في كل كلمة قلتها لي أن الرب يقبلني ... فهل أستطيع التناول .. الذى حرمت منه أكثر من ثلاثين سنة ؟؟
قلت لها : بكل تأكيد
قالت : ضع صليبك على رأسي وحاللني ...
وقفت لأصلي التحليل ... ولم أتمالك نفسي من البكاء ... و إنصرفت على أن أعود إليها في الغد لكي أناولها ...
أسرعت إلى أبينا بيشوي كامل ... أخبرته بكل شيء ... ملك علينا التأثر ... و أخبرته عما فعلت و عما وعدتها به من أجل التناول ...
قال لي أبونا بيشوي : دعنا نصلي لكي يمد الله في أجلها إلى الغد حتى تتناول فتتعزى نفسها و ترقد على الرجاء ... و قد كان ...
صليت قداسا في الصباح الباكر و ذهبت مع الأخت المسيحية و هي منذهلة مما يحدث ... و ألف سؤال يدور في رأسها ...
دخلنا إلى السيدة .. شكرتُ المسيح إذ وجدتها منتظرة متيقظة ... عندما دخلت حجرتها أغمضت عينيها ... وبكل ما ملكت من قوة قالت : مبارك الآتي باسم الرب ...
صليت و ناولتها ... ولم أر في حياتي هذا الفرح في أحد يتناول ...
لا أنسى هذا اليوم ما حييت ... وكأن هذه الساعة لم تكن من ساعات هذا العالم ... بل هي حقا يوم من أيام السماء على الأرض ...
و كان فرح في السماء ... و ما هي إلا ساعات قليلة إلا و إنطلقت هذه النفس إلى خالقها الذي أحبها ... وخلصها ..